[عاقبة من كفر بنعمة الله سبحانه]
في الآية الكريمة تأتي النهاية، حتى لا يطمع أحد من الناس في عمل آبائه وأجداده وأمجاده ويقول: أبي بنى الدولة وأنا أتصرف فيها كيف أشاء.
فالله تعالى يقول: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:٥٥] أي: من كفر هذه النعمة وأخل بهذه الشروط فالويل له، والوعيد عليه.
ولذلك فكم من أمة من الأمم قامت على منهج صحيح فمكن الله عز وجل لها في الأرض، وأعطى قادتها الخلافة والسلطة، ومكن لها في الأمن فأصبحت مضرب المثل في الأمن والاستقرار والطمأنينة، فإذا بها تؤخذ على غرة أو تؤخذ بالتدريج، فلذلك الله سبحانه وتعالى يقول: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل:٤٧] والمراد بالتخوف التنقص، أي: ينقصهم شيئاً فشيئاً حتى يسلب منهم هذه النعمة.
وكم من الأمة من أخذ بغتة! {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام:٤٤] والله تعالى يقول بعد ذلك: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ} [النور:٥٥] أي: بعد توافر هذه الشروط، وبعد وفائه بهذه الأمور فغير ما بنفسه فإن الله تعالى له بالمرصاد.
والله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢].
إننا ننصح أي أمة مكن الله لها في الأرض واستخلف قادتها في هذه الأرض وأعطاهم الأمن والطمأنينة والاستقرار في هذه الأرض ننصحهم أن يحافظوا على هذه المبادئ، وعلى هذه الأسس، فهناك فرق بعيد بين دولة تقوم على انقلابات عسكرية، وعلى فسق وضياع وإراقة دماء، وبين دولة تقوم على دعوة صالحة صحيحة قيمة، هناك فرق بعيد بين الدولتين، فإن الثانية لا تبقى ولا يكون لها الدوام والاستمرار والاستقرار إلا بمقدار ما تحافظ عليه من أمر الله عز وجل، ولا يجوز للثانية أن تنخدع بالأولى التي لا تقوم إلا على الدماء والفوضى والحروب والثورات الداخلية، أما التي تقوم على منهج صحيح، وعلى دولة صحيحة فإنها تطالب أن تحافظ على هذا المنهج، فإنه هو أصلها وقاعدتها ولا تقوم إلا به.
أسأل الله سبحانه وتعالى في ختام هذا الحديث أن يوفق قادة هذا البلد الذين استخلفهم الله عز وجل في هذه الأرض الطيبة، والذين مكن لهم في الأرض، والذين أعطاهم الله عز وجل من الأمن ما لم يعطه الأمم التي تصنع وسائل الدمار ووسائل الاكتشاف، حتى أصبح الرجل في بلادنا يسير بكل أمواله عبر الصحاري الواسعة -صحراء الجزيرة العربية شرقاً وغرباً- لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه.
أسأل الله تعالى الذي منّ عليهم بهذا الأمن والاستقرار أن يوفقهم للاستقامة على دين الله، وأن يجعلهم من الذين قال فيهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:٤١].
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الاستقامة، فإن الأثر يقول: (كيفما تكونوا يول عليكم) بل إن الله عز وجل يقول: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:١٢٩]، أقول قولي هذا وأستغفر الله لنا جميعاً، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.