[توجيه المؤمنين بغض البصر وحفظ الفروج لحصول التزكية]
قوله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) قال: للمؤمنين.
ولم يقل: للناس.
لأنه لا يتقيد بهذا القيد ولا يلتزم بهذا الأمر من أوامر الله عز وجل إلا المؤمنون، أما غير المؤمنين فإنهم لا يبالون، نظرة تتلوها نظرة تتلوها نظرات، يتلوها فعل كبائر يتراكم بعضها على بعض، ولربما تنتهي هذه الكبائر بكبيرة عظيمة قد تخرج هذا الإنسان من قاعدة الدين ومن دائرة الإسلام بسبب نظرات؛ لأن الله تعالى يقول: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:١٤] وكم من الناس من خرج عن دائرة الدين وانحل وانحرف وألحد بسبب نظرة، وكانت النظرة في بادئ أمرها صغيرة، لكنها ما زالت تتضخم وتكبر حتى وصلت إلى فاحشة عظيمة.
قوله: (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) أي: أن يحفظوها من الوقوع في الفاحشة.
أي: قل للمؤمنين أن لا يزنوا.
وهذا هو الرأي الراجح في قوله تعالى: (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، وإن كان طائفة من العلماء قالوا في قوله تعالى: (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ): أي: أن يصونوا الفروج حتى لا ترى، فكما أنهم مطالبون بعدم النظر إلى عورات الناس فهم -أيضاً- مطالبون بصيانة فروجهم وأهليهم حتى لا ينظر إليها إنسان، فتعقب تلك النظرة الفساد، لكن كما تقدم أن الأقوى والأرجح -والله أعلم- في معنى (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) أي: أن يحفظوها من الفساد ومن الزنا، ومن هنا يكون التجانس بين النظرة وبين الفعلة، فالفعلة تكون نتيجة من نتائج النظرة، كما قال القائل: نظرة فابتسامة فموعد فلقاء وهذا شيء معروف عند الناس، فإن النظرة تعقبها محرمات كثيرة، يقول الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:٣٦]، ولربما تكون النظرة سهلة في بادئ أمرها، ولكنها صعبة عندما تجر وراءها آثاماً عظيمة.
قوله: (ذلك) الإشارة تعود إلى غض البصر وحفظ الفرج، أي: حفظ الأبصار وحفظ الفروج أزكى لهم.
قوله: (أزكى لهم) معناه: أطهر.
أي أن الذي لا ينظر أزكى من الذي ينظر، وكذلك الذي يحفظه الله عز وجل من الفاحشة أزكى من الذي يقع في الفاحشة، وليس المراد أن صاحب الفاحشة زكي، فقد تكون (أفعل) هذه لا تفيد التفضيل، وإنما تفيد أن الزكاء لا يكون إلا لمن يحفظ فرجه، فإذا لم يحفظ فرجه فإنه قد فقد مقوم الزكاة إذ لم يزك نفسه، يقول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:٩] أي: من طهر نفسه وحفظها من المعصية والكفر والفسق.
ثم قال: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (خبير) على وزن (فعيل) صيغة مبالغة من الخبرة الشديدة، والخبير -كما هو معروف في علم اللغة- هو الذي يدرك الأمور الدقيقة.
فتقول: فلان خبير في علم الزراعة، فلان خبير في علم الاجتماع، خبير في كذا.
أي: عنده خبرة جيدة.
وهذا بالنسبة للناس، لكن خبرة الله عز وجل لا تساويها خبرة، فهو سبحانه يعلم كل ما يصنعه الإنسان ويفعله؛ لأنه الخبير الذي يدرك الأشياء الخفية التي ربما تكون في ظلام الليل وخلف الأستار المرخاة وفي غيبة أعين الناس.
فالنظرة الصغيرة التي لا يراها أحد من الناس هي في علم الله عز وجل مسجلة حتى يتجاوز الله عز وجل عنها، فالله تعالى -كما قال عن نفسه-: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} [غافر:١٩] أي: إشارة العين وهي النظرة.
{وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩] أي: يعلم سبحانه الذي لم يفعله الإنسان، أي: ما ينويه وما يفكر فيه.
إذاً هذه هي الخبرة بالنسبة لله عز وجل، وهي: إدراك الأمور الخفية.
وختام الآية: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠] لبيان دقة الإدراك في مثل هذه الأمور، أي: لا تظنن -أيها الإنسان- أنك حينما تنظر إلى جمال امرأة أو إلى عورة وقد خَفِيتْ نظرتُك هذه على الناس أنها قد خفيت على الله عز وجل، فالله تعالى خبير، أما الناس فإنه يغفل بعضهم عن بعض، لكن الله تعالى لا يغفل مثقال ذرة، ولا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.
إذاً -يا أخي- وأنت تنظر إلى ما حرم الله تصور أن الله تعالى يراقبك وإن غفل عنك الناس.