[الصنف السادس: المجادلون في الله وشرعه]
هذا النوع مذكور في سورة الحج، يقول الله عز وجل عنه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج:٣ - ٤].
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ)، أي: يخاصم في وجود الله، ونجد اليوم أقواماً يناقشون الناس: هل الله تعالى موجود أو غير موجود؟! وما كان ذلك موجوداً في تاريخ العالم إلا في فترات متقطعة؛ كعصر فرعون الذي أنكر الخالق سبحانه وتعالى لهدف استعباد الأمة؛ لأن الله تعالى يقول عنه وهو يكشف مؤامرته: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:١٤]، أي: جحدوا بها ظلماً وعلواً.
أو في فترات كفترة الشيوعية المعاصرة -عليها لعنة الله وعلى مؤسسيها إلى يوم القيامة- الذين ينكرون الخالق سبحانه وتعالى، والأديان والكتب السماوية والبعث؛ من أجل أن يستولوا على هذا العالم، ولذلك فإنا نجد أقواماً ممن يحسبون على الإسلام في أيامنا الحاضرة يجادلون في وجود الله عز وجل، ولربما يجادلون في وحدانيته، كأصحاب القبور والوثنيات الذين سلمت بلادنا -والحمد لله- منهم؛ لأن بلادنا ما زالت تعيش وتتمتع بدعوة سلفية، وستبقى بإذن الله إلى يوم القيامة، وكذلك يجادلون في أسماء الله وصفاته، ولم يكفهم أن يجادلوا في دين الله، بل تطاولوا ليجادلوا في الله عز وجل بغير علم، وإن كانوا يحملون شهادات الدكتوراه وما فوق ذلك وما دون ذلك، لكنهم أجهل الناس بدين الله عز وجل.
وهل من المعقول أن نجد من يحمل هذه الشهادات العملاقة وهو لا يجيد قراءة سورة الفاتحة، أو لا يعرف أقصر السور، أو لا يعرف من دين الله عز وجل شيئاً؟! ولربما يحفظ من الأغاني أكثر مما يحفظه من دين الله عز وجل، ويعرف عنها أكثر مما يعرفه من دين الله، ومع ذلك نجد أن هذا يجادل في دين الله، فإذا كتب في الصحف فكأنه أكبر العلماء، فيتكلم مرة على الحجاب، ويبدي رأيه فيه، وكأن له رأياً، أو كأن الحجاب ما زال موضع الدراسة بين الناس، ثم يتكلم مرة أخرى على الحدود، ويقول: وحشية وقسوة، حتى كتب أحدهم وقال: أيتها الفتاة! طالبي رب العالمين، وخاصمي رب العالمين! كيف يضفي الليل على وجه القمر؟! والله لقد قرأناه في صحيفة في بلد إسلامي، وعوقبت هذه الصحيفة وأوقفت، ولكن صاحب هذا المقال ما رأينا له أي عقوبة، يجادلون في الله ويعتبرون الحجاب والسمت الإسلامي الذي مَنَّ الله به علينا وعلى نسائنا تخلفاً وتقوقعاً ورجعية.
يجادلون في الله بغير علم، ولو كان عندهم علم لاستطعنا أن نناقشهم، ولكن علمهم أكبر ظني أن كثيراً منهم أخذوه من بلاد الغرب مشوهاً، مخلوطاً بين الإسلام والوثنية والجاهلية، ولذلك فليس عندهم علم في دين الله، وإذا بدأ يناقش ويجادل فإنه يجادل في الله بغير علم، ومثل هذا يحار العاقل في أمره.
(وَيَتَّبِعُ كُلَّ شيطان مريد)، العجيب أنه لا يتبع شيطاناً واحداً؛ بل إذا جاء شيطان وتكلم عن الحجاب تبعه في أمر الحجاب، وإذا جاء آخر بنقد أحكام دين الله نجده يتبعه في هذا الأمر، وإذا جاء ثالث ليحبذ قوانين البشر وآراء الرجال اتبعه، فمن العجيب أنه لا يتبع شيطاناً واحداً وإنما يتبع كل شيطان مريد، نعوذ بالله منه! إذاً: فهو يميل لكل شيطان، ويعيش في قافلة الشياطين، سواء كان في ذلك شياطين الإنس وشياطين الجن؛ لأننا نعلم يقيناً أن الشياطين ينقسمون إلى قسمين: شياطين الإنس، وشياطين الجن، وكلاهما قال الله عز وجل عنهم: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:١١٢]، وشياطين الإنس أخطر على الناس من شياطين الجن؛ لأن شيطان الجن تتخلص منه بالاستعاذة بالله منه، أما هذا الشيطان فإنك لا تتخلص منه بالاستعاذة، وإنما تتخلص منه بأن تقضي على مبدأ هؤلاء، وأن تحاربهم بكل ما أوتيت من قوة.
ومع الأسف فإن هؤلاء الشياطين بدءوا الآن ينشئون من أبناء جلدتنا، كان الشياطين وأعداء الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أسماؤهم: أبو لهب وأبو جهل وأبي بن خلف، فإذا بالشياطين في أيامنا الحاضرة أسماؤهم: عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وأحمد، فكانت المصيبة أكبر، وكان البلاء أخطر وأشد، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن اليمان: (يكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.
فقال حذيفة: صفهم لنا يا رسول الله؟ فقال: هم قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، (من جلدتنا)، أي: يحملون هويات إسلامية، وولدوا في بلاد الإسلام، ولا يمنع من ذلك أن يكونوا تربوا هنا أو هناك في بلاد غسلت أدمغتهم، (ويتكلمون بألسنتنا) باللغة العربية الفصحى.
فهؤلاء أخطر على الإسلام من أعداء الإسلام الذين يأتون من الخارج، ولذلك يقول أعداء الإسلام: إنكم لن تستطيعوا أن تقطعوا شجرة الإسلام إلا في غصن من أغصانها، ولعل هذا هو مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (هم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، وهؤلاء الشياطين من البشر الذين يتبعون الشياطين من أوليائهم يوحون إليهم، فهم أعداء للإسلام، وكلما سمعوا مقالة أو حديثاً عن الإسلام اكفهرت وجوههم: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥]، ولذلك نجدهم يحملون الحقد على الإسلام، ويأخذون من شياطين الإنس ما يغوونهم به ويقذفونه في المجتمعات الإسلامية، فانتشر السفور في بلاد المسلمين، وانتشرت الخلاعة، وانتشر الربا والزنا والفواحش والخمور على أيدي هؤلاء الشياطين الذين يتبعون كل شيطان مريد {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج:٤].