هذه المساجد هي التي يقول سبحانه وتعالى عنها:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[النور:٣٦]، فأمر وأوجب وشرع أنه لابد أن ترفع وتقام، ولابد أن تبنى حسياً وتطهر وتنظف من أجل أن تقام فيها أفضل فريضة، ومن أجل أن يؤدي فيها المسلمون أعظم شعيرة، ولذلك فقد وضع صلى الله عليه وسلم الحجر الأساسي لهذه المساجد يوم أسس أول مسجد أسس على التقوى من أول يوم، ذلكم المسجد هو مسجد قباء الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم في أول لحظة شرف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، ثم بنى مسجده -المسجد النبوي- ليكون مركزاً لإشعاع الحضارة في الدنيا كلها.
وهكذا كانت المساجد تؤدي هذا الدور منذ تلك الفترة، وستبقى هذه مهمتها إلى يوم القيامة، فقد كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم منطلقاً للخير كله، وكانت الجيوش تدرب فيه، وفيه كان المسلمون يتلقون العلم في مجالس العلم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم على يدي السلف الصالح من بعده، وكانت المساجد قطب رحى الحياة، وقد أدرك المسلمون أهميتها، فانطلقوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العالم أجمع؛ يبشرونهم بهذا الدين، وينشرون تعاليمه، وبقيت المساجد تؤدي هذه المهمة إلى أن فصل عدونا بين ديننا وبين حياتنا، فأصبحت المساجد في نظر طائفة من الناس لا تؤدي هذه المهمة، وأصبحت زاوية من زوايا الحياة المهجورة في كثير من بلاد الإسلام، بل في أعمها؛ إذ لا يأوي إليها في كثير من الأحيان إلا الشيوخ والعجزة، أما طائفة كبيرة من الشباب، وأما أصحاب المراكز، وأما أصحاب المادة فكثير منهم مشغول عنها، ومن هنا هبطت رسالة المسجد في رأي طائفة من الناس، وأصبح كثير من شبابنا لا يعرفون الطريق الموصلة إليه، فلا يعرفونه أبداً، وربما يعرفون الطريق في يوم الجمعة، ولربما يؤدون الصلاة في المسجد في رمضان، وإن كان طائفة منهم لم يعرف المسجد ولم يدخله إلا حينما يقدم لتصلى عليه صلاة الجنازة.
ومن هنا فقد المسلمون رسالة المسجد، وفقدت حلق العلم ومجالس الذكر فيه؛ بل أصبحت المساجد تشكو في بلادنا هذه أنها لا تفتح إلا حينما يحين موعد الصلاة، وكأنها تشبه كنائس النصارى أو معابد اليهود! وهذه الرسالة لابد أن يعود المسلمون إليها؛ لينطلق المسلمون انطلاقتهم الثانية من المسجد.
فالمسجد كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم هو المدرسة، هذه المدرسة هي التي يمكن أن ينطلق منها المسلمون بعد أن يتربوا في أحضانها منذ سن السابعة وحتى سن العاشرة، وإلى أن يكونوا رجالاً يدركون الواجب المقدس في أعناقهم.