كل ما ذكرنا كله يعتبر من أسباب الاستقامة، وآخر وأول سبب من أسباب الاستقامة هو سؤال الله عز وجل التثبيت.
والتثبيت يكون بنصر دين الله عز وجل، فإن من نصر دين الله صادقاً ثبّت الله أقدامه عند الفتن والمحن، كما قال تعالى:{إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧] والتثبيت هو الذي يجب على المسلم أن يسأله الله دائماً، فعلى المسلم أن يلح على الله بالدعاء أن يثبت قلبه على الإيمان حتى لا تضل به الأهواء، وحتى لا تنحرف به الفتن عن الطريق المستقيمة، والرسول صلى الله عليه وسلم خير البرية -وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي هدى الله البشرية على يديه- كان كثيراً ما يقول:(اللهم! يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على طاعتك)، وقال:(إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).
إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل الله التثبيت فما على أي واحد منا إلا أن يسأل الله دائماً أن يثبته على هذا الدين وعلى هذا الإيمان حتى لا تضل به الأهواء، وحتى لا تؤثر فيه الفتن، وحتى لا يستطيع أحد أن يزيله من مكانه الذي ثبته الله تعالى عز وجل عليه، ولذلك يقول الله تعالى عن المؤمنين:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[إبراهيم:٢٧] وتثبيت الحياة الدنيا هو أن لا يتراجع عن طريقه الذي هداه الله عز وجل إليه.
وتثبيت الآخرة هو عند الموت وفي القبر، فالإنسان إذا ثبته الله تعالى في الحياة الدنيا على المنهج السليم أيضاً يثبته الله تعالى على المنهج السليم وهو في قبره، حينما يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ من هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ما علمك؟ فالمؤمن يثبته الله تعالى ويقول: ربي الله، وديني الإسلام، وهذا الرجل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأت كتاب الله وآمنت به.
وهناك طائفة من الناس لربما يغترون بمستوى الإيمان الذي وصلوا إليه، أو بمقدار العمل الذي هُدوا إليه، فيصابون بالغرور -نعوذ بالله من الغرور-، ثم إذا بهذا الغرور يفسد عليهم دينهم ودنياهم، فإذا بهم ينقلبون رأساً على عقب، لأنهم لا يسألون الله عز وجل أن يثبتهم على دين الإسلام، وأخشى أن يكثر هذا النوع المتقلب الذي نشاهده في بعض الأحيان، فلا نكاد نُسرّ باستقامة فلان من الناس إلا ونفاجأ بانحرافه.
ولذلك علينا دائماً أن نسأل الله عز وجل أن يثبت أقدامنا، فإن الأمة الإسلامية تعيش فترة لم يكن لها نظير في تاريخ البشرية أبداً، فترة يتجه فيها الناس إلى ربهم عز وجل، ثم إذا بالطغاة في جُلّ العالم يتجهون إلى صد هؤلاء الشباب عن دينهم، وإذا بمطارق الكافرين توجه إلى المؤمنين، وكل وسائل الدمار توجه إلى هؤلاء المؤمنين إلا ما شاء الله عز وجل، ولذلك نقول: نسأل الله تعالى أن يثبتنا وأن يثبت المسلمين على هذا الطريق المستقيم.