هل التوبة تكون من المعصية التي يجب فيها حد من حدود الله التي أوجبها في كتابه، أم أن التوبة تكون من الصغائر فقط؟
الجواب
التوبة تكون من كل الذنوب حتى الشرك؛ لأن الشرك بالله عز وجل أعظم من الذنوب التي فيها حدود، فالتوبة لكل الذنوب إلا حقوق الناس فإنه يشترط فيها مع التوبة رد المظالم، أما إذا كانت حقوقاً لله عز وجل فيكفى فيها الندم، ونحن نعرف قصة ماعز رضي الله عنه الذي زنا واعترف بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رجموه هرب رضي الله عنه لما وجد من ألم الحجارة، فلحقوه ورجموه حتى مات رضي الله عنه، فلما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه!) إذا كان الإنسان قبل أن يعترف تقبل توبته فأولى أيضاً إذا تراجع عن اعترافه، لكن التوبة على نوعين: توبة في الدنيا وتوبة في الآخرة، أما توبة الدنيا فإنها لا تقبل في الأمور التي فيها حدود إذا كان فيها تهديد لأمن الناس، ولذلك يقول الله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}[المائدة:٣٤]، فقاطع الطريق الذي يهدد أمن الناس إذا تاب قبل أن نقدر عليه تقبل توبته، لكن إذا تاب بعد أن نقدر عليه فإنها لا تقبل توبته، ومعنى: أنه لا تقبل عند الناس أي: أنه يقام عليه الحد، فقاطع الطريق إذا عثرنا عليه وأمسكناه قبل أن يتوب فإننا لا بد أن نقيم عليه حد قاطع الطريق، وهو قول الله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ}[المائدة:٣٣].
وعلى هذا نستطيع أن نقسم التوبة إلى ثلاثة أقسام: توبة لا تقبل إلا بأداء الحقوق وهي حقوق الناس، وتوبة تقبل لكن قبل أن نقدر على صاحبها كقاطع الطريق إذا تاب وأعلن توبته، ورجع إلى الله تعالى قبل أن نمسكه، فنعتبره تاب حقيقة ونقبل توبته، أما إذا تاب بعد أن نمسكه فلا بد أن نقيم عليه الحد، وعلى هذا نقسم التوبة إلى توبة في الدنيا، وتوبة في الآخرة، أما بالنسبة إلى توبة الآخرة فهي لكل الناس، فإذا تاب الإنسان تاب الله عز وجل عليه إذا صدق في التوبة.
أما توبة الدنيا فإن هناك ذنوباً لا تقبل فيها التوبة بالنسبة للدنيا أي: بالنسبة للعقوبات، ولذلك يقول الفقهاء: لا تقبل توبة من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو سب الدين الإسلامي، فهؤلاء لا تقبل توبتهم، وليس معناه أنهم يدخلون النار وإن تابوا إلى الله عز وجل، بل المعنى أننا لا نقبل توبتهم نحن في الدنيا، فإذا وجدنا من يسب الله عز وجل، أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يسب دين الإسلام كالعلمانيين الذين يقولون: دين الإسلام لا يصلح للحياة، هؤلاء لا نقبل توبتهم في الدنيا، وإنما نقيم عليهم العقوبة ونترك آخرتهم لله عز وجل، وإلا فالأصل أن تقبل التوبة من كل الذنوب بشرط رد المظالم التي عند المذنبين إلى أصحابها.