الأمر الثالث: كل من أراد أن يستعبد أمة لا بد أن يستذل المصلحين، ولا بد أن يحول بين المصلحين وبين الأمة؛ لأن هؤلاء المصلحين منهجهم هو إرشاد الناس إلى الخضوع لله عز وجل، وتحذيرهم من الخضوع لغير الله عز وجل؛ ولذلك فإن كل المفسدين في الأرض -وإن تظاهروا بالإصلاح كما قال الله عز وجل:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}[البقرة:١١]- هم في الحقيقة يخافون على الأرض لا يخافون على الدين، وربما يتظاهرون بالخوف على الدين، كما قال فرعون لعنه الله:{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:٢٦]، مع أنه هو الذي كان ينشر الفساد في الأرض، ولذلك هم يخافون على الأرض، ويخافون على الملك، ويخافون على السلطة، فيقفون في وجوه المصلحين خوفاً على هذه السلطة أن تنتزع من أيديهم إلى أيد أخرى هي أهل لهذه السلطة، ولذلك يقولون:{أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى}[طه:٥٧].
ولذلك هذا هو الخوف الحقيقي، هو خوف على الأرض لا خوف على الدين، وإن تظاهر المفسدون في الأرض بأنهم يخافون على الدين، وأنهم يخافون على عقيدة الناس، وعلى منهج الناس، فهم في الحقيقة لا يخافون إلا على الأرض، أما المصلحون فليس لهم مطمع في الأرض؛ لأن هدفهم فوق الأرض والتراب، هدفهم هو إصلاح هذه الأمم وربطها بالله عز وجل.
أما الكراسي والمراكز فإنها ليست أهم أهدافهم، اللهم إلا إن كان هدفاً كهدف يوسف عليه الصلاة والسلام حينما قال للعزيز:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥] يريد أن يتخذ من هذه السلطة منطلقاً للإصلاح في الأرض.