إن مما يحزن أنه في أيامنا الحاضرة توجد مذاهب وأفكار تنتسب إلى الغلو وتزيد في دين الله عز وجل، وإذا مُني ديننا وإذا مُنيت أمتنا الحاضرة وإذا مُني زماننا الحاضر بأناس خالفوا أوامر الله عز وجل وتنكبوا عن منهجه فلقد مُني بما هو أخطر من ذلك، حيث مُني بأناس يغيرون ويبدلون في شرع الله عز وجل، ويشرعون للناس ما لم يأذن به الله، ويغلون في دين الله عز وجل، ويأتون بأشياء ما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقسم بالله العظيم على أنه لو بُعث فينا اليوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لحمل السلاح على هؤلاء الذين يشرعون في دين الله ما لم يأذن به، وهؤلاء الذين يأتون بعبادات ما شرعها الله عز وجل ولا شرعها رسوله، قبل أن يحمل السلاح على الملاحدة والشيوعيين الذين ينكرون الخالق والدين؛ لأن أولئك أناس أعلنوا كفرهم بالله عز وجل، أما هؤلاء الذين غلوا في دين الله فصاروا يضيفون إلى دين الله أشياء لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كذبوا الله عز وجل الذي قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:٣]، واليوم هو يوم عرفة في حجة الوداع، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:٣]، وكذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال:(تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)، فقالوا: هذه عبادة، وهذه بدعة حسنة، وهذا أمر محبوب، فندخل هذا وهذا في دين الله عز وجل.
حتى كاد دين الله أن لا يثبت في أذهان هؤلاء، وأن لا يقر له قرار في نفوسهم.
وهذا أمر ينتشر في كثير من بلاد المسلمين، حيث تراهم يشرعون أموراً لم يشرعها الله عز وجل، وإني خائف عليهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، أما تلك الواحدة فإن منهجها واضح، وإن دينها بين، فهذا كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أكبر منهج لدين الله، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زالت وستبقى إلى يوم القيامة غضة طرية، وهذا تاريخ المسلمين في الصدر الأول الذي أمرنا بالاقتداء بهم من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، أما هؤلاء الذين جاءوا ببدعة سموها بدعة حسنة فنسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) فقالوا: لا يا رسول الله، ليست كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة.
فكلما استحسنته نفوسهم جاءوا به وأضافوه إلى دين الله، فأصبح هذا الدين غير ثابت في نفوس هؤلاء، وهذا أمر خطير انتبهوا له أيها المسلمون، وقفوا عند حدود الله؛ فإن الزيادة في دين الله أعظم عند الله عز وجل من النقص في دينه؛ فإن من زاد في دين الله فقد وضع نفسه إلهاً يشرع لنفسه وللناس، وأما من نقص في دين الله فإنه عاصٍ، وهو تحت مشيئة الله عز وجل وإرادته، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
إذاً علينا أن ننتبه لهذا الخطر، وأن نحذر، وأن نسلك سبيل الله، فإن سبيل الله واحدة، وليس هناك إلا سبيل واحدة، ولذلك جاءت السبيل هناك مفردة وجاءت السبل متعددة، فقال الله عز وجل:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:١٥٣].
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً، وأن يوفقهم للوقوف عند حدود الله وعند أوامر الله، فلا يزيدون في دين الله ما لم يشرعه الله عز وجل أياً كانت هذه الزيادة، ولا ينقصون في دين الله.
فيتعرضون لعقوبة الله عز وجل وسخطه، كما أسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يوفق ولاة المسلمين لرفع راية الإسلام على الوجه الذي يرضيه عنا وعنهم، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل أمرنا وأمر المسلمين كافة فيمن خاف الله عز وجل واتقاه، ونفذ أحكامه، وحكَّم شرعه ظاهراً وباطناً في كل صغيرة وكبيرة، وأن يقينا جميعاً ولاة السوء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.