ثم بعد ذلك بدأ الحديث عن موقعة بدر، وكأن الآيات السابقة مقدمة لترقق قلوب المؤمنين، ولترفعهم إلى الجهاد في سبيل الله.
أما موقعة بدر الكبرى -وهي أول موقعة في تاريخ الأمة الإسلامية- فبدأ الحديث عنها في قوله تعالى:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال:٥]، وعندنا هنا مشبه ومشبه به، فالمشبه: صدق إيمان أصحاب النبي وتفاوتهم في الدرجات، والمشبه به: إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته إلى غزوة بدر الكبرى على غير استعداد، وهذا أمر شاهده المسلمون، وشاهده الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا لا شك فيه، إذاً: المشبه هو: أن هؤلاء المؤمنون لهم درجات عند ربهم، يعني: إذا كان عند أحد شك بأن للمؤمنين درجات عند الله تعالى في الآخرة فليقطع الشك؛ لأن هذا شيء ملموس رآه المسلمون بأعينهم وعايشوه، وهو أن الله تعالى أخرج المؤمنين من بيوتهم وأخرج معهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر الكبرى على غير استعداد.
وأداة التشبيه هي الكاف في قوله:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}[الأنفال:٥]، أي: بالشيء الثابت الذي لا شك فيه.
{وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال:٥]، ولماذا كره المؤمنون القتال في معركة بدر؟ ما كان المؤمنون جبناء، بل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا شجعان، فقد تركوا الوطن وجاءوا من مكة إلى المدينة، وتركوا الأهل والعشيرة، وأُوذوا في سبيل الله، وكانوا في الحياة المكية يتمنون الجهاد في سبيل الله، كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ}[النساء:٧٧]، وهذا في الحياة المكية، ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك.