وقوله تعالى:{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}[الأنفال:١١]، أي: من أجل أن يؤمنكم حتى لا تخافوا، {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}[الأنفال:١١]، بالرغم من أن الموقع كان لصالح الكافرين فإن الله تعالى جعل الموقع أيضاً لصالح المؤمنين، فكانت العدوة الدنيا في جهة المدينة، وكانت أرضاً رملية صعبة، وكانت الحركة السريعة للقتال كما يتطلب الموقف تصعب على هذه الرمال، فمن رحمة الله عز وجل أن أنزل المطر في تلك الليلة، فلما نزل المطر ابتلت الأرض، وشرب الصحابة، واغتسلوا، وكان بعضهم قد أصيب بالجنابة، وكان بعضهم يشعر بالقلق قبل ذلك، فالله تعالى ربط على القلوب بنزول هذا المطر، فأخبرهم بأن النصر سوف يأتي؛ لأن المطر يعتبر رحمة من رحمات الله عز وجل.
فالله تعالى يقول هنا:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}[الأنفال:١١]، أي: يطهرهم في أجسامهم فيغتسلون، ويتوضئون، ويصلون، ويطهرهم في قلوبهم، حتى تزول تلك الوحشة التي يشعرون بها، فإن الذي أنزل المطر هو الذي سوف ينزل النصر.
يقول الله تعالى:{وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}[الأنفال:١١]، ومن رجز الشيطان ما يحدثه في القلب من قلق وخوف، {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ}[الأنفال:١١]؛ لأن نزول المطر علامة على نصر الله عز وجل وعلى كون الله تعالى مع هؤلاء المؤمنين.
{وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}[الأنفال:١١]، حتى إذا تحرك المسلمون يتحركون بسرعة على هذه الرمال اللينة، وينطلقون بسرعة؛ فتكون الأقدام ثابتة، كما أن الله تعالى يثبت به أيضاً الأقدام من الناحية المعنوية بحيث يشعرون بأن النصر سوف ينزل عليهم عما قريب.
يقول الله تعالى هنا:{وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}[الأنفال:١١]، وسواء كان المعنى: يقوي أقدام السير أو يقوي جانبكم في المعركة؛ فيؤهلكم إلى أن تدخلوا المعركة بقلوب ثابتة.
وبعد ذلك أصدر الله تعالى أمره للملائكة أن تنزل إلى الأرض، وهذا هو الشيء الذي يجب أن يطلبه المسلمون دائماً وأبداً، سواء جاءت الملائكة أو نزل النصر من عند الله تعالى مباشرة دون أن يحتاج إلى واسطة، فنزول الملائكة يُعتبر طمأنينة لقلوب المؤمنين، وإلا فإن النصر يأتي من عند الله تعالى، لا يأتي بقوة من قوى البشر أو غيرهم.