المعنى الأول: أن العقوبة على المعصية إذا حلت بالأمة فإنها تصيب الناس أجمعين: (واتقوا فتنة) يفعلها بعض الناس، (لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) أي: تصيب جميع الناس، هذه لها أدلة وشواهد كثيرة من القرآن والسنة، من هذه الشواهد قصة بني إسرائيل في قصة السبت في آخر سورة الأعراف قال تعالى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ}[الأعراف:١٦٣]، فالقصة أن بني إسرائيل منهم من فعل أمراً عظيماً، فحرم الله عليه الصيد في يوم السبت، واستعمل الحيلة كما يستعمل كثير من الناس الحيل في أيامنا الحاضرة على أخذ الأموال، فصاروا يضعون الشباك في يوم الجمعة، ويخرجونها في يوم الأحد، يقولون: نحن لا نصطاد في يوم السبت، ويتحيلون على أمر الله، فانقسم بنو إسرائيل إلى ثلاثة أقسام: قسم فعل هذه المعصية الكبيرة، وقسم نهى عن هذه المعصية، وقسم لام من نهى وقال: لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً؟! النتيجة يقول الله تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ}[الأعراف:١٦٥]، إذاً: إنما ينجو من العذاب الذين ينهون عن السوء.
والرسول صلى الله عليه وسلم صور الحياة بسفينة، فبعض الناس في أعلاها وبعضهم في أسفلها، وهم المطيعون والعصاة، ففكر العصاة في خرق السفينة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً).
إذاً معنى ذلك: العقوبة إذا نزلت من عند الله فإنها تأخذ بالصالح والطالح، ولا يتخلص منها إلا الذين ينهون عن السوء، كما قال الله عز وجل:{فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}[هود:١١٦].
ويقول الله عز وجل مبيناً أن العقوبة تنزل بسبب مجموعة صغيرة فتعم الجميع:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً}[الإسراء:١٦]، أي: أمة في قرية، {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}[الإسراء:١٦]، وفي قراءة سبعية:{أمَّرنا مُتْرَفِيهَا}[الإسراء:١٦]، أي: جعلنا السلطة بيد المترفين الفسقة، {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا}[الإسراء:١٦]، ما هي النتيجة؟ {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء:١٦]، القرية كلها دمرها الله تعالى تدميراً، مع أن الذين فسقوا هم المترفون، وقد يكونون هم أمراء هذه القرية.
إذاً: معنى ذلك أن العقوبة تعم الجميع، وهذا هو المقصود بقوله تعالى:(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً).
إذاً: العقوبة لا تخص العصاة وحدهم، وإنما تعم العصاة ومن يسكت على معصية الله، أما الذين ينهون عن السوء فإن الله تعالى يخلصهم بأي حال من الأحوال، ولو أن يقبض أرواحهم قبل أن تأتي هذه العقوبة.
هذه مسألة يجب أن نفهمها في وقتٍ ضعف فيه جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنجد أن كثيراً من الناس قد أغمض عينيه عن المنكرات، وخاف من البشر، وجامل في دين الله، ودس رأسه بالرمل كما تدس النعامة رأسها في الرمل، ورأى المناكر قد أعلنت أنفسها في وضح النهار، وسكت جبناً، أو طمعاً، أو لأي سبب من الأسباب، فهذه أمور خطيرة يجب أن نفهمها.
إذا كان الناس يريدون أن يسلموا من عذاب الله، فلا بد من إنكار المنكر بأي حال من الأحوال، وأقصد المنكر الذي يعلن، وهو الذي يرى بالعين، ويسمع بالأذن، ويدرك بالحواس، أما إذا كان المنكر قد خفي فالله سبحانه وتعالى يعفينا من أمره حتى ينتشر، وإن كنا مطالبين بأن نتتبع خلايا المنكر بالطريقة المشروعة.