لما عدل أخوة يوسف عن قتل يوسف عليه السلام بناءً على مشورة أخيهم وألقوه في البئر ما كانوا يظنون أن يوسف عليه السلام سيخرج من هذه البئر حياً، بل كانوا يظنون أنه سيلقى حتفه في ذلك البئر، وما كان يوسف عليه الصلاة والسلام -لولا يقينه بربه- يظن أنه سوف يخرج من هذا البئر، ولكن الله تعالى له لطف خفي، وهذا اللطف لربما يتأخر ولا يأتي إلا في ساعة الصفر، وفي آخر لحظة من لحظات احتياج هذا الإنسان إلى رحمة الله عز وجل.
من يصدق أن يوسف عليه السلام يلقى في البئر طفلاً ليصبح في يوم من الأيام ملك مصر؟ إنها آية من آيات الله عز وجل، فعلى المؤمنين أن يتمسكوا بطاعة الله، وعليهم التسليم والرضا بقضاء الله عز وجل وقدره في أي أمر من الأمور التي تصيبهم، فإذا كانوا كذلك فليبشروا من الله عز وجل بالفرج، فلما ألقي يوسف عليه السلام في البئر جاءت قافلة تريد مصر، فأرسلوا واردهم الذي يطلب لهم المياه فأدلى دلوه فتعلق به يوسف عليه السلام، كما قال تعالى:{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}[يوسف:١٩]، ولما ذهب به السيارة إلى مصر وباعوه بها اشتراه عزيز مصر، وأوصى ملك مصر زوجته به خيراً {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}[يوسف:٢١] ثم علمه الله عز وجل الحكمة وتأويل الأحاديث، وهذا كله من لطف الله عز وجل بأوليائه الصالحين، فالمرء إذا تعرف إلى الله عز وجل في حال الرخاء عرفه الله عز وجل في حال الشدة، وإذا أعرض عن الله سبحانه وتعالى في حال الرخاء فإن الله عز وجل يتركه في وقت الشدة، ولذلك يوسف عليه الصلاة والسلام أنقذه الله عز وجل من كل هذه المحن والشدائد العظام والأحداث الجسام، قال الله عز وجل:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الزمر:٦١].
فقد نرى ولياً من أولياء الله يحيط به العدو من كل جانب، وتتكالب عليه فتن الحياة الدنيا ومصائبها وآفاتها، حتى يظن الناس أنه قد هلك، وأنه لا يستطيع الخلاص من ذلك كله، فإذا به يتخلص بقدرة الله عز وجل وفضله وكرمه، كما قال عليه الصلاة والسلام:(تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، فيوسف عليه الصلاة والسلام عرفه الله عز وجل في وقت الشدة والضيق وخلصه، وندب إليه سيارة من الناس كانوا يسيرون في صحراء سيناء، ووقعوا على تلك البئر فأخرجوه منها، ثم أصبح هذا الغلام في يوم من الأيام ملكاً على مصر.