[الصد عن سبيل الله والاستهزاء بالمسلمين من أسباب تسليط المسلمين على الكافرين]
أيها الإخوة! إن الخطاب في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:٣٣] ليس خطاباً للأمة في عهد الرسول عليه السلام، ولكنه خطاب خالد إلى يوم القيامة، ولذلك بين الله تعالى في الآية التي بعدها أنهم مستحقون للعذاب، لكن رحمة الله أدركتهم.
قال الله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الأنفال:٣٤].
هذه أيضاً جريمة من الجرائم التي بسببها سلط الله تعالى عليهم المؤمنين، فقد كانوا يصرفون الناس عن دين الله، ولربما صرفوا الحجاج والمعتمرين، وكانوا يقولون: نحن أهل البيت وأولياء الله، وهم أبعد الناس عن الله لشركهم ولصدهم للمؤمنين عن المسجد الحرام.
ولا تكون حماية البيت إلا لأولياء الله وللصالحين من عباده، ولا تصلح أن تكون سلطته إلا بأيدي أولئك الذين يحكِّمون شرع الله عز وجل.
ولذلك يبين الله تعالى جريمة من جرائمهم كانت سبباً في عقوبتهم يوم بدر فقال: {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الأنفال:٣٤] كانوا يمنعون الطائفين والمعتمرين من المسجد الحرام، وكم منعوا الناس من الدخول في الإسلام أيضاً، وهذا شأن دعاة الضلال، فهم لا يكتفون بضلالهم وحدهم، بل يسعون إلى أن يضلوا الناس عن الطريق المستقيم.
ثم قال الله: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} [الأنفال:٣٤] يعني: ليسوا هم بأوليائه، وإن كانوا يدعون ذلك بقولهم: نحن أولياء البيت وسدنته.
{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال:٣٤] و (إن) هنا: حرف نفي بمعنى (ما)، أي: ما أولياء هذا البيت إلا الذين يتقون الله ويمتثلون أمره، فالمسألة ليست مسألة وطن أو مولد، أو آباء وأجداد وأمجاد، لكن المسألة مسألة دين، فمن أخذ به فهو ولي هذا البيت، ومن رفضه فليس من أوليائه.
بعد ذلك يبين الله تعالى أن من جرائمهم أنهم كانوا يضحكون ويسخرون ويصفقون ويصفرون عند البيت، لا سيما إذا رأوا الرسول عليه السلام والمسلمين يصلون، فيتخذون عبادتهم سخرياً ويهزءون بدين الله عز وجل كما يهزأ به كثيرٌ من الناس اليوم، {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:٣٥].
المكاء: التصفير، والمكَّاء طير يصفر، والماكي الذي يضم يديه ويضعهما عند فمه ويصفر.
والتصدية: التصفيق، فهم يلعبون ويسخرون في وقت الصلاة التي هي أعظم عبادة وأعظم شعيرة فرضها الله عز وجل على هذه الأمة، فإذا رأوا الرسول عليه السلام يصلي صفروا وصفقوا، واكتفوا من الصلاة بذلك التشويش على المسلمين، وهذه أيضاً جريمة من جرائمهم التي كانت سبباً في تسليط المسلمين عليهم، فليحذر الذين يسخرون من دين الله أو الصلاة أو شخصية المسلم أو صفته! وقد أخذ العلماء من هذه الآية النهي عن التصفيق، وقد قال رسول الله عليه السلام: (إنما التصفيق للنساء)، وإذا أخطأ الإمام في صلاته وخلفه الرجال والنساء، فالرجل يسبح والمرأة تصفق.
أما تصفيق الرجال فإنه خلاف الفطرة وخلاف سنة محمد عليه السلام؛ وفيه تشبه بالكافرين الذين كانوا يسخرون من الصلاة بالتصفيق، ولذلك قال الله: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنفال:٣٥]، أي: ذوقوا عذاب القتل يوم بدر، وهو بداية العذاب لا نهايته كما أخبر الله، ولذلك لا ينتهي بهم العذاب في الدنيا، بل يتبع هذا القتل عذاب البرزخ، ثم ينتهي بهم الحال إلى عذاب الآخرة الذي لا ينتهي: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [هود:١٠٧].