وقوله:{يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ}[النور:٣٥]، أي: ضوء السراج فيه زيت الزيتون، وزيت الزيتون معروف أنه إذا وضع في السراج تكون الإضاءة أقوى، وأيضاً: هذه الزيتونة ليست كسائر الزيتون، بل هي زيتونة كما أخبر الله عز وجل:{زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ}[النور:٣٥]، والشجر إما أن يكون غربياً وإما أن يكون شرقياً، ويندر أن يكون هناك شجرة ليست غربية ولا شرقية، والشجرة الشرقية هي: التي تصيبها الشمس عند الشروق، لكن عند الغروب يحجب عنها ضوء الشمس؛ لأن الشمس بطبيعتها إذا أصابت شجرة الزيتون تعطيها قوة أقوى من الشجرة العادية، فإذا كانت تصيبها الشمس في وقت الشروق، أو في وقت الغروب فقط يكون زيتها أقل لمعاناً، لكن عندما تكون لا شرقية ولا غربية فهي شرقية غربية، أي: إذا طلعت الشمس في وقت الشروق تصيب هذه الشجرة، وإذا غربت تصيب هذه الشجرة، وتصبح هذه الشجرة جيدة جداً، وهكذا سائر الأشجار عندما تتعرض للشمس في وقت الشروق والغروب.
إذاً هي شرقية غربية، وعلى هذا يكون الزيت صافياً، ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى هذا الزيت أنه لماع، فإذا وضع في السراج أصبح أشد لمعاناً، وقبل أن يوضع في السراج هو يلمع كأنه قد أوقدت فيه النار.
وقوله:(يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ)، الشجرة المباركة هي شجرة الزيتون؛ ووصفها أنها مباركة؛ لأن كل ما فيها يستفاد منه، ولا يرمى شيء من شجرة الزيتونة أبداً، حتى الرماد يجلى به الذهب، وتجلى به الجواهر.
وقوله:(زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا) أي: زيت الزيتونة التي ليست غربية ولا شرقية، (يُضِيءُ) من شدة لمعانه، (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) أي: فكيف إذا مسته النار؟! قال عز وجل:(نُورٌ عَلَى نُورٍ)، أي: نور السراج مع نور الكوة الغير نافذ في الجدار، مع نور الزجاجة، مع نور الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية، فهذه أنوار اجتمعت فأصبح كل واحد منها يقوي الآخر، ولذلك يقول الله تعالى:(يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ)، ومعنى ذلك أن هذا أقوى أنواع الأضواء التي عرفها الإنسان وقت نزول هذه الآية، وهكذا نور القلب إذا وضعه الله عز وجل فإنه يصبح كالسراج، ولذلك يميز المؤمن بين الحلال والحرام، وبين الضار والنافع، كما قال الله تعالى:{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال:٢٩].