ولعلنا نعرج قليلاً على الخاطرة الثانية، وهي أيضاً من ذكريات شهر محرم: شهر محرم شهر له أثر في قيام الدولة الإسلامية بكاملها؛ لأن في شهر محرم ذكرى لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أدراك ما هي هذه الهجرة! إنها الركب الذي انتقل من مكة إلى المدينة في حجم صغير، لكنه في معنى كبير هذا الركب الصغير في حجمه العظيم في قدره هو الذي وضع الحجر الأساسي في مثل هذه المناسبة لقيام الدولة الإسلامية، وذلك يوم وقف الكفر مسلحاً أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن قرر في دار الندوة ذلكم القرار المشئوم؛ بل هو قرار كان له أثره في الهجرة، فهو قرار خير في آخر أمره، وذلك حينما انتقل المسلمون بعد ذلك القرار الذي كشفه الله عز وجل في قوله:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:٣٠].
ومن هنا أقام الرسول صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام، وكانت هذه الدولة وارفة الظل، سامقة الأصول؛ لأننا ما زلنا ولا يزال المسلمون يتفيئون ظلالها إلى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فعلينا يا إخوتي! ألا تمر بنا هذه الذكرى إلا ونحن قد وعينا الدرس الحقيقي منها، فهناك قامت دولة الإسلام، وهناك شرع الجهاد في سبيل الله، ونزلت أول آية تنفس عن المسلمين، وتأذن لهم بالجهاد في سبيل الله، ألا وهي قوله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}[الحج:٣٩ - ٤٠].