رأيت قصة موسى عليه السلام مكررة في كثير من المواضع في القرآن الكريم، الأمر الذي يثير تساؤلاً عند كثير من الناس، بل كان ذلك من المطاعن التي يطعن بها أعداء الإسلام، فما هي الحكمة من ذلك التكرار، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الحقيقة أن أعداء الإسلام لو أردنا أن نرضيهم أو أن نسعى لدحض شبهاتهم فلن نستطيع؛ لأن الله يقول:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْه}[آل عمران:٧]، وهؤلاء لسنا مسئولين عن إرضائهم، ولكننا مسئولون عن أن نوضح لهم الحق إن أرادوا الحق.
أما تكرار القصص في القرآن: فالحقيقة أن هذا يعطي القرآن الروعة الصحيحة، فقصة موسى هي أكثر قصة تكررت في كتاب الله، ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يأتي بقصتين من قصص القرآن تحدثت عن قصة موسى عليه السلام وإحداهما تشبه الأخرى؛ فإن كل واحدة تأتي بأسلوب جديد غير ما أتت به القصة الأخرى.
وعلى هذا: فإن قصة موسى أو أي قصة جاءت في القرآن الكريم لها أهداف، وهذه الأهداف كما قال الله تعالى:{لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}[الفرقان:٣٢]، والرسول صلى الله عليه وسلم -وهو يعيش في المحنة الهوجاء التي كان يقاسيها ويعانيها من ذوي قرباه ومن أهل بلده- لا بد أن يُسلى لتخفف المحنة عنه؛ فيخبره الله تعالى بما حدث للمرسلين من قبله، وما فعلت الأمم برسلهم؛ حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مطمئن القلب؛ ليعرف أنه ليس وحده هو الذي سار في هذا الطريق الشائك.
وأكثر القرآن من قصة موسى عليه السلام دون غيره من الأنبياء؛ لأن قوم موسى هم أقرب الأمم إلى الأمة الإسلامية، فاليهود آخر أمة بعث فيها رسول، ولربما يقول قائل: إن النصارى جاءوا بعدهم! فنقول: النصارى فرع من اليهود، فاليهود الذين بعث فيهم موسى عليه السلام لما طال عليهم الأمد، بُعث فيهم عيسى عليه السلام، فانتصر النصارى على اليهود وآمنوا بعيسى.
والقرآن كله جاء من أجل تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، وإخباره بما فعلت الأمم السابقة بأنبيائها، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}[الأنعام:١١٥]، وهذه القصص كلها تحتوي على الصدق الكامل؛ لأنها من كلام الله عز وجل.