[محاربة الإسلام بأبنائه ومن ينتسبون إليه]
الأمر الأخير من مظاهر هذه الغربة -وهو أعجبها وأقساها وأعنفها- أن يحارب الإسلام بأبناء الإسلام، ومن كان يصدق بذلك؟! ما كنا -والله- نصدق، حتى لقد كنا نسمع مقالات تقال من أعدائنا مفادها أن شجرة الإسلام شجرة سامقة عميقة في الأرض، لا تستطيعون أن تقطعوها إلا بغصن من أغصانها، وما كنا نعلم ماذا يقصدون بهذه المقالة، حتى رأينا من أبناء الإسلام من تربى على أعين هؤلاء الأعداء ليكون هو الغصن الذي يحاول أعداء الإسلام أن تقطع به هذه الشجرة.
إن أعداء الإسلام الذين يتربصون بنا الدوائر، والذين كانوا يغزون بلاد المسلمين من الشرق والغرب يريدون أن يطيحوا بالأمة الإسلامية وأن يزيلوا هويتها من هذا الوجود، إنهم قد ربوا أفراخاً لهم في بلادهم، وغسلوا أدمغتهم في بلاد الشرق والغرب، وملئوا قلوبهم حقداً على الأمة الإسلامية، فجاءوا وهم يحملون هذا الحقد الدفين، وصار همهم أن يهدموا هذا الإسلام بأيديهم وأيدي الكافرين، وإن هذا من أعجب الأمور، يقول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند وحينما كان الإسلام يُحارَبُ بـ أبي جهل وأبي لهب في أيامه الأولى كان الأمر واضحاً، ولكن حينما أصبح الإسلام في أيامنا الحاضرة يحارب بأحمد ومحمد وعبد الله وعبد الرحمن وسيف الدين وسعد الدين وعماد الدين أصبح الأمر مصيبة كبرى، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فلقد حدثنا عنه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في حديث طويل معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم يحكي واقعنا اليوم، يقول حذيفة: (كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
قال: فقلت: يا رسول الله! كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.
قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن.
قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتني، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر.
قال: فقلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها.
قال: قلت: يا رسول الله! صفهم لنا؟ قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) قوله: (من جلدتنا) أي: من أبناء المسلمين، ويحملون في جيوبهم الهوية الإسلامية، ولربما يكونون من أبناء الصالحين والعلماء، ومن لهم مجد عريق في حماية هذا الدين، ثم إذا بهؤلاء الأبناء معولاً هداماً في شجرة الإسلام السامقة.
قوله: (ويتكلمون بألسنتنا) أي: باللغة العربية الفصحى.
فلم يأتوا من الشرق ولا من الغرب، ولكن نشئوا في بيوت المسلمين، فهذا هو سوء التربية، وهذا هو الواقع الذي نعيشه.
وأيم الله إن الإسلام في أيامنا وفي بلادنا هذه بصفة خاصة يحارب بأبناء المسلمين أكثر من أن يحارب بالكافرين؛ لأن أعداء الإسلام وثقوا بهؤلاء الذين سوف يقومون بهذه المهمة، ولذلك سلموهم الأمر وأصبحوا يراقبونهم من بُعْدٍ.
ومن خلال ذلك لا تعجب وأنت ترى من ينتسب للإسلام يطعن في الإسلام من الأمام ومن الخلف، ولكن هذا هو الوعد الذي أخبر الله عز وجل عنه، والذي ينتظر من زمن بعيد، قال عز وجل: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢]، فإذا كانت هناك غيرة على دين الله، وإذا كان هناك غضب لله عز وجل فإن هذا اليوم هو يومه، فالعالم الإسلامي جله يحارب فيه الإسلام من أبناء جلدتنا ومن يتكلمون بألسنتنا، وإذا لم يغضب المسلمون لدين الله عز وجل ولله عز وجل فويل يومئذ للفضيلة من الرذيلة.