للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر المسجد في تخريج الرجال]

لا نريد أن نطيل الكلام حول الذين لم يتربوا في المسجد؛ لأنكم سمعتم كثيراً من أخبارهم، لكن المهم: لماذا وصلوا إلى هذا المستوى؟ لأنهم ليسوا من الرجال الذين تربوا في المساجد، فلو تعلقت قلوبهم بالمساجد لأصبحوا رجالاً بكل ما تعنيه الكلمة، ولما كانوا على هذا المستوى.

فأين أبناء المساجد؟ وأين الرجال الذين يتربون في المساجد؟ هم موجودون والحمد لله، وهم هؤلاء الشباب الذين تتمثل فيهم الصحوة الإسلامية، ونعتز بهم، والذين هم مثل يحتذى به -والحمد لله- في صلاحهم واستقامتهم؛ هؤلاء هم أبناء المساجد، وهم الرجال الذين يقول الله عز وجل عنهم: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ} [النور:٣٦ - ٣٧]، وإذا أردت أن تجد برهاناً على ما أقول فاذهب إلى ساحة أفغانستان، والله لقد رأيت هذه الساحة فعجبت كثيراً! وقلت: أين ذهبت العصبيات القومية والإقليمية والشعوبية؟ فإنك لا تجد جنسية من جنسيات البلاد الإسلامية إلا وتجدها في تلك الساحة! حتى أبناء النعيم أبناء هذه البلاد ودول الخليج الذين عاشوا بين الثلاجات والمكيفات، والذين كان الناس يظنون أنهم لا يستطيعون تحمل مثل تلك المسئوليات، ووعورة الطريق، وشظف العيش، والحر والبرد، إلى غير ذلك تراهم يتسابقون إلى الشهادة في سبيل الله، وإذا أردت دليلاً على ذلك فاسأل الخطوط السعودية: كم يسافر يومياً من هنا إلى أرض أفغانستان؟! سأذكر لكم قصة شاب من هذه البلدة الطيبة -عنيزة- لا يتجاوز عمره العشرين، ذهب إلى هناك، واستبسل حتى استشهد وهو يقول: الله أكبر! فلم يكمل كلمة: الله أكبر حتى جاءته شظية وهو يطوق مطار جلال آباد حتى اقتلعت رأسه! فجاءني أخوه، وظننت أن أخاه سوف يقول لي: كيف غررتم بأخي؟ فإذا به يقول: أبشرك أن أخي استشهد؛ فقلت: الحمد لله رب العالمين.

فقال: وأنا سوف أذهب لأستشهد هناك، قلت: لا يا أخي! المصيبة جديدة، انتظر، قال: سأقدم الآن كل ما أملك من مالي في سبيل الله حتى يأذن الله لي بالذهاب لأكون شهيداً هناك.

الشاهد أن هذه تربية المساجد، وأما تلك فهي تربية غير المساجد.

والله إن من ذهب إلى تلك البلاد يرى العجب العجاب! ويرى شباب المسلمين يتسابقون إلى الحراسة في وقت الثلوج التي يتجمد فيها الإنسان قطعة من الثلج على رءوس الجبال في ظلام الليل بين العدو الحاقد الذي يريد أن يقضي على هذه الأمة لو تمكن من ذلك! ومع ذلك يتسابقون إلى الشهادة وإلى الجهاد وإلى الحراسة؛ لأنهم تربوا في المسجد؛ ولأنهم قد تحملوا هذه المسئولية، وأدركوها من خلال المسجد، فكان ذلك الإيمان -الذي ولد في المسجد وترعرع في المسجد- كما أخبر الله عز وجل: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور:٣٥]، فمن خلال الزيت الذي أشعل في هذا السراج أصبحوا لا شرقيين ولا غربيين، ولكنهم أمة مسلمة؛ ولذا خاب ظن الذين يظنون أنهم قد وضعوا حواجز سياسية، وطبيعية وإقليمية، وشعوبية، وقومية بين المسلمين، وأنهم قد قطّعوا أوصال المسلمين، وحولوا الأمة الإسلامية إلى دويلات، هؤلاء الذين يظنون أنهم قد غرسوا حب القومية والشعوبية في نفوس هؤلاء الشباب؛ خاب ظنهم وهم يتتبعون أخبار أفغانستان، وكيف ينفر شباب الأمة العربية والإسلامية خفافاً وثقالاً يجاهدون في سبيل الله مع العجم الذين لا تربطهم بهم رابطة نسب ولا رابطة وطن، ولكن تربطهم بهم رابطة الدين والعقيدة.

هذا دليل من الواقع، وهذا نموذج من الواقع بالنسبة لرجال المساجد.