الإسلام يبني علاقة الأب مع أولاده على المحبة والعاطفة، ولكنه يبني العاطفة على أنها لا تطغى على العقل فتضيع التربية، وإنما يجب أن يكون العقل له قيمته، وهذه العاطفة لها قيمتها.
ويبدأ ذلك من اختيار الزوجة الصالحة، واختيار الزوجة الصالحة سبب في صلاح هؤلاء الأولاد؛ لأنها هي التربة التي توضع فيها هذه البذور، وحينئذٍ فإن هذا الأب مطالب باختيار الزوجة الصالحة أولاً، ثم اختيار الاسم الحسن، ثم بالتربية بعد ذلك؛ بحيث لا يرفع سوطه عنهم أبداً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام:(ما نحل والد ولده أفضل من خلق حسن).
ولهذا فإننا نجد تربية الأولاد تشغل جانباً وحيزاً كبيراً في القرآن العظيم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:٦]، ثم يبين أن صفات المؤمنين أنهم يؤدبون أولادهم، ثم بعد ذلك يمدون أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى بأن يصلح هذه الذرية، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:٧٤]، ولكن ذلك يكون بعد العمل.
ثم أيضاً نجد أن الله تعالى يتكفل بعد ذلك لهؤلاء الآباء الصالحين الذين بذروا بذوراً حسنة في هذه الأرض وفي المجتمع الإسلامي بأن يهب لهم الأولاد الصالحين.
وحينما يحصل صلاح الأبناء وصلاح الآباء فإن الله تعالى يرفع الأبناء يوم القيامة درجة، ولا يخفض الآباء هذه الدرجة، فيرفع الأبناء حيث يصلون إلى درجة آبائهم، فتقر حينئذٍ عيونهم بهذه الذرية الصالحة، يقول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور:٢١]، أي: رفعناهم إلى درجة الآباء في الجنة، {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الطور:٢١]؛ لأن تنزيل الآباء عن الأبناء شيء من الظلم بالنسبة للبشر، ولكنها بالنسبة لله سبحانه وتعالى ليست ظلماً؛ لأن الله عز وجل منزه عن الظلم، فهو يرفع الأبناء إلى درجة الآباء، ولا يخفض الآباء إلى درجة الأبناء حينما يكون الأبناء أقل صلاحاً من الآباء.
ثم بعد ذلك يبين الله تعالى أن السعادة وقرة العين إنما تكون حينما يصلح الآباء مع الأبناء، فيقول الله عز وجل:{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد:٢٣ - ٢٤]، هذا إضافة إلى ما يناله الأب من البر بالنسبة لهؤلاء الأولاد الصالحين، وما تناله الأم أيضاً من البر بالنسبة لهؤلاء الأولاد الصالحين.
أما بالنسبة لحياة البرزخ فإن فيها سعادة لهذا الأب الذي يربي هؤلاء الأولاد؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له)، فحينئذ يكون الإسلام قد طالب الأبناء بالنسبة لآبائهم، أو الآباء بالنسبة لأبنائهم في هذا الجانب.
ثم أيضاً على هؤلاء الآباء وعلى هذه الأمهات أن يكونوا عوناً لأبنائهم على البر، وذلك بحسن المعاملة والرقة وحسن العشرة والعدل، والعدل هو أكثر ما يحبب الآباء إلى الأبناء.