للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به)]

يقول الله تعالى بعد ذلك: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ)، ما صلة الآية الأولى بالثانية؟ كل من وقع في البدعة وقع في الشرك، فالمسألة تبدأ من بدعة وتنتهي بشرك، والله يا إخوان من خلال جولة في العالم الإسلامي رأينا كيف تتطور البدعة حتى تصل إلى شرك، ففهمنا هاتين الآيتين بجوار بعضهما: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساء مصيرًا * إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:١١٥ - ١١٦].

فالبدعة يعاقب عليها الإنسان بالشرك، ولذلك جاءت آية الشرك: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:١١٦]، بجوار آية البدع ومشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعرفنا يقيناً كيف تنتقل البدعة بالإنسان إلى الشرك، اليوم بدعة حسنة! غداً هذه والله أحسن عبادة جاءت في مخ هذا الإنسان! فيخرج سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم ويضع مكانها بدعة، حتى رأينا أن بعض المجتمعات لا يعرفون شيئاً من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والله يا إخوان رأيت ناساً يصومون رجباً ولا يصلون في بعض البلاد الإسلامية المجاورة.

يصوم شهر رجب ويلحقه بشعبان، وصيام شعبان سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورمضان ركن من أركان الإسلام، لكنه يأتي برجب، فنقول: من أين أتاكم شهر رجب؟ لا يوجد في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم صيام رجب، نجد بعضهم لا يصلي ولا يركع لله عز وجل ركعة، وهذا عجيب! إذاً: لما دخلت بدعة لا بد أن تخرج سنة، بل لا بد أن تخرج واجباً، بل لا بد أن يخرج ركن من أركان الإسلام مقابل هذه البدعة نعوذ بالله، ولذلك الذين وقعوا في البدع وقعوا بعد ذلك في الشرك بالله عز وجل، فعبدت القبور، وحج إليها الناس.

صدقوني يا إخوان! حينما أقول لكم: عبدت القبور لا نبالغ، أكبر رقم قياسي للأوثان التي عبدت من دون الله عز وجل في آخر يوم من أيام الوثنية في مكة يوم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم فاتحاً لمكة، فكان في الكعبة ستون وثلاثمائة صنم، فكم يوجد من صنم الآن في العالم الإسلامي؟ تقول الإحصائيات: يوجد الآن عشرون ألف ضريح يعبد من دون الله كلما بعد الناس عن عصر النبوة دخلت البدعة، وكلما دخلت البدع في دين الله عز وجل أخرجت السنن، وكلما أخرجت السنن أوجدت فراغاً نعوذ بالله! عشرون ألف ضريح رأيت كثيراً منها بعيني هاتين يحج إليها الناس، الطواف حولها مدة أربع وعشرين ساعة لا يتوقف، حتى أن بعضها عنده سدنة يقول للناس: شوطاً واحداً فقط، لماذا؟! لأن الوقت لا يتسع، ولأن الزحام شديد، وممكن يطوف سبعة أشواط إذا كان له أهمية في المجتمع، لكن لعامة الناس ليس هناك إلا شوط واحد من شدة الزحام، والله يراق حولها من الدموع أكثر مما يراق حول الكعبة المشرفة، والله إن الذين يتمسحون بها ويقدمون لها النذور والقرابين أكثر من الذين يطوفون حول الكعبة في أيام الزحام، اقسمها على عشرين ألف ضريح في العالم، اضربها في عشرين ألف مرة في العالم، إذاً: أين العالم الإسلامي يا إخوة؟ العالم الإسلامي كثير منهم ضل الطريق؛ لأن البدع بدأت تدخل، ويقولون: هذه بدعة حسنة هذه بدعة حسنة حتى أصبح الناس في حيرة من هذا الدين، والله يا إخوان زرت بعض هذه الأضرحة لأرى بعيني، فجئت قبل الفجر بساعتين فما استطعت أن أدخل من شدة زحام السيارات والباصات التي تنقل الحجاج من أقطار باكستان إلى ضريح من الأضرحة، فهذا واحد فقط من عشرين ألف ضريح.

إذاً لا تعجبوا أيها الإخوة! حينما يقول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:١١٥ - ١١٦].