للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى البسملة]

يقول الله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١]، فهي كما قيل: آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة، وقيل: إنه يبدأ بها للبركة إن لم تكن آية من كل سورة، وقيل: إنها آية من سورة الفاتحة فقط؛ لأنها هي المكملة للسبع الآيات التي يقول الله عز وجل عنها: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:٨٧].

(بسم الله) الباء: للاستعانة، أي: أستعين مبتدئاً بسم الله الرحمن الرحيم.

و (الله، والرحمن، والرحيم): كلها أسماء من أسماء الله عز وجل الحسنى، وكان أهل الجاهلية ينكرون اسم (الرحمن) من أسماء الله عز وجل، فكانوا يكتبون (باسمك اللهم) ويقولون عن (الرحمن): لا نعرف رحماناً إلا رحمان اليمامة، وهو صنم من أصنامهم، وينكرون الرحمن، وإن كانوا يؤمنون بالرحيم من أسماء الله عز وجل، ولذلك كانوا يكتبون: باسمك اللهم، ويكرهون كلمة (الرحمن)، ولا يؤمنون بها اسماً من أسماء الله عز وجل، ورد الله عز وجل عليهم في سورة الإسراء بقوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠].

ومما يذكر في هذا المقام قصة سهيل بن عمرو رضي الله عنه حين كان مشركاً، حينما أرسله أهل مكة ليعمل صلحاً مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، يوم جاء الرسول صلى الله عليه وسلم للعمرة ومنعوه من دخول مكة، فأرسلوا سهيل بن عمرو من أجل الصلح، وأن تقف الحرب سنين معينة، وأن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة دون أن يتم عمرته، وأن يحلق رأسه، كما هو النظام الموجود في ذلك الوقت، وهو أيضاً أصبح حكماً شرعياً، ويرجع، فجاء سهيل بن عمرو رضي الله عنه -وكان مشركاً في ذلك الوقت- فجلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم يكتبون العهود والمواثيق التي اتفقوا عليها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ علي: (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأننا لا نؤمن بالرحمن، فقام عمر رضي الله غضبان وقال: يا رسول الله! دعني أكسر ثنيتيه، فقال: يا عمر! اتركه، فلما بدءوا قال: اكتب باسمك اللهم)؛ لأنهم لا يريدون كلمة (الرحمن)، وبعد ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اكتب هذا ما اتفق عليه محمد رسول الله مع سهيل بن عمرو، فقال: لا تكتب رسول الله؛ لأننا لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال: اكتب: هذا ما اتفق عليه محمد بن عبد الله مع سهيل بن عمرو؛ فغضب عمر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! دعني أقطع عنقه، فقال: اتركه يا عمر! فلعله أن يقف موقفاً نحمده عليه).

وفعلاً لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم وكان سهيل بن عمرو قد دخل في الإسلام وحسن إسلامه، وكان من زعماء أهل مكة الموجودين يوم مات الرسول صلى الله عليه وسلم، وارتد كثير من العرب عن الإسلام، بعد ذلك وقف سهيل بن عمرو رضي الله عنه على باب الكعبة وقال: يا أهل مكة! أنتم آخر من دخل في الإسلام، فلا تكونوا أول من يخرج منه، يقول المؤرخون: فما ارتد واحد من أهل مكة بسبب كلمة سهيل بن عمرو رضي الله عنه.

ومعنى (الرحمن): الرحمة العامة، أما (الرحيم) فمعناه: الرحمة الخاصة، ولذلك يقول الله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣]، فرحيم على وزن (فعيل) بمعنى: فاعل، أي: راحم، فرحمن ورحيم معناهما متقارب: من الرحمة، ولكن كلمة (الرحمن) أعم لكل الناس، و (الرحيم) خاصة بالمؤمنين، ولذلك يقولون: الرحمن: رحمة عامة، والرحيم: رحمة خاصة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣].