يختم الله عز وجل بهذه الآية تلك الآيات الكونية، وهذه الآية دائماً تتكرر؛ لأنها بدئت بها السورة:{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}[النور:١].
ثم ختم بها الجزء والمقطع الأول من السورة:{وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنْ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ}[النور:٣٤].
ثم جاءت الآيات الكونية فختمت بمثل ما ختمت به الآيات السابقة:{لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ}[النور:٤٦] أي: واضحات الدلالة على مراد الله عز وجل، ولكن ما على هذا الإنسان إلا أن يتعظ بها ويستفيد منها.
(وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الهداية بيد الله، فهذه أدلة كونية واضحة، لكن ما يهتدي بها إلا من شاء الله تعالى أن يهتدي، فدائماً الهداية مربوطة بمشيئة الله، ولا دليل للجبرية الذين يقولون: كيف يقدر الله المعصية على الإنسان ويعاقبه عليها؛ لأن الله تعالى قد أعطى هذا الإنسان مشيئة، فالمذاهب المعروفة ثلاثة: فمذهب الجبرية يقول: إن الله تعالى قد أجبر الإنسان على أعماله، فكيف يعاقبه على ذلك؟! وتهرب قوم بسبب هذا المذهب الخبيث وهم القدرية فقالوا: الله تعالى لم يقدر مقادير الخلائق ولا أعمال العباد، فالعبد هو الذي يخلق أفعاله.
ومذهب أهل السنة والجماعة وسط بين هذين المذهبين، فليس بمذهب الجبرية الذي يقول: إن الإنسان مجبر وليست له إرادة، وليس بمذهب القدرية الذين يقولون: كيف يقدر الله المعصية على الإنسان ويعاقبه عليها؟ فيقولون: الله تعالى ما قدر أفعال العباد.
أما مذهب أهل السنة والجماعة فهو الوسط، فإن الله تعالى قدر أفعال العباد، لكن لهذا الإنسان إرادة، وإرادته مربوطة بإرادة الله تعالى وبمشيئة الله سبحانه وتعالى.
إذاً ليس في هذه الآية دليل للجبرية؛ لأن الإنسان له إرادة، فالله تعالى يقول:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}[التكوير:٢٨] فله مشيئة، إلا أنها مربوطة بمشيئة الله سبحانه وتعالى.