فالمسألة ليست مسألة قرابة، صحيح أن القرابة محترمة، وأن الرحم أمر الله عز وجل بصلتها، وأمر ببر الوالدين والإحسان إلى الأقارب والعشيرة، لكن ذلك حينما يكون الدين واحداً، أما حينما يتفرق الناس في دينهم فإن الله تعالى يقول:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}[المجادلة:٢٢]، ويقول سبحانه:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}[التوبة:٢٤]، وهذا وعيد شديد على من ربط نفسه بغير المؤمنين.
وهذا نوح عليه السلام يسأل الله عز وجل نجاة ابنه لما رفض أن يركب السفينة، وأن يدخل في دين نوح عليه الصلاة والسلام فقال:{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}[هود:٤٥]، فقال الله عز وجل له:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود:٤٦].
وإبراهيم لما كان يستغفر لأبيه منعه الله تعالى من ذلك وبين عذر إبراهيم فقال:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}[التوبة:١١٤]، وقال لنا:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة:٤].
إذاً: هذا هو الذي يربطنا بالناس أو يحل الرباط بيننا وبين الناس، ولذلك لا تعجبوا يا إخوتي! فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت بطانته بلال بن رباح وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وغيرهم رضي الله عنهم، وكانوا قد جاءوا من بلدان بعيدة عن بلاد العرب، لكن أين أبو جهل وأبو لهب أقاربه؟! قال الله عز وجل:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد:١].
فالمسألة ليست مسألة قرابة، وإنما هي مسألة إيمان؛ فهو الذي يربطنا بالصالحين، أو يفرق بيننا وبين الفاسقين أياً كانت درجتهم في القرابة، ولذلك يقول الله تعالى:(إِنَّمَا)، و (إنما) للحصر، أي: ليس هناك ولاية إلا من هذا الطريق، ومن أراد أن يضع ولاية بينه وبين إنسان أياً كان هذا الإنسان حتى لو كان أقرب الناس منه فعليه أن يراجع هذه الآية:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}[المائدة:٥٥] فقط.