أولا: ً موسى عليه الصلاة والسلام وسائر المرسلين ما جاءوا لهذه الحياة من أجل أن يعلموا الناس العبادة لله عز وجل فقط، وإنما جاءوا أيضاً من أجل أن يحرروا النفوس البشرية من الخضوع لغير الله عز وجل، ولذلك فإن منهج المرسلين -وهو أيضاً منهج المصلحين إلى يوم القيامة دائماً وأبداً- هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ثم هو أيضاً تحرير النفوس البشرية وإنقاذها من الخضوع لغير الله عز وجل، ومن أجل ألا تستغل هذه النفوس المؤمنة لغير الله عز وجل، ولا تنحني لغير الله عز وجل؛ ولذلك نجد أن منهج موسى عليه الصلاة والسلام في أول مقابلة يقابل فيها هذا الطاغوت أن قال:{فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}[طه:٤٧]، هذا هو منهج المرسلين، خلاف ما يتهم العلمانيون -قاتلهم الله أنى يؤفكون- هذا الدين بأنه إنما هو منهج عبادة، أما قيادة الحياة فهم يعتبرونها لغير المسلمين، ولغير المؤمنين والمتدينين والمصلحين.
إذاً: أول مهمة وأطروحة طرحها موسى عليه الصلاة والسلام، وأول هدف جاء به من عند الله عز وجل مع أخيه هارون أمام هذا الطاغوت هو تحرير النفوس البشرية من الخضوع لغير الله عز وجل:{فأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ}[طه:٤٧]؛ لأن تعذيب النفوس بغير حق إنما هو ظلم، والمرسلون جاءوا لرفع الظلم عن البشرية، والعلماء المصلحون يأتون من بعدهم لرفع هذا الظلم، ولذلك أول مطلب لهذين الرسولين عليهم الصلاة والسلام:{فأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ}[طه:٤٧]، ولم يقولوا له: والسلام عليك؛ لأنه غير مؤمن، وإنما قالوا:{وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}[طه:٤٧]، وهذا هو الأسلوب الذي يجب أن يوجه لكل كافر لا يؤمن بالله عز وجل، ولا يؤمن باليوم الآخر، فلا يجوز أن نبدأ اليهودي ولا النصراني ولا الكافر أياً كان، ولا الملحد بتحية غير هذه التحية:(السَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) أي: فإن اتبعت الهدى فعليك السلام، وإن لم تتبع الهدى فإن السلام ليس حق لك منا، وعلى هذا يقول عليه الصلاة والسلام:(لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه).