إن هذه القضية تشبه إلى حدٍ بعيد ما يُفعل في أيامنا الحاضرة، فقد بخل كثير من المسلمين بالمال الذي لا تقوم دولة الإسلام ودعوته إلا به، وقدَّم الكافرون هذا المال سهلاً من أجل تكفير وتنصير أبناء المسلمين، وحين دعت الكنيسة إلى جمع المال لتنصير أبناء المسلمين، جمعوا في فترة وجيزة مليار دولار.
إن مليار دولار ليس رقماً ارتجالياً، إنه رقم يقصدون به عدد المسلمين؛ فكأنهم قالوا: إن عدد المسلمين مليار، فادفع دولاراً واحداً تُنَصِّرُ به واحداً من المسلمين، ولكن الله تعالى غالب على أمره، ومتم لنوره.
أما المسلمون فإنهم إذا دعوا إلى البذل في سبيل الله أو الدعوة فإن كثيراً منهم يبخلون.
إن هذه هي سنة الله تعالى في الحياة، وقد ذكرها الله تعالى بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنفال:٣٦].
ورغم هذا المبلغ الضخم الذي جمعه دعاة التنصير فإن الكنيسة ما استطاعت أن تنصر واحداً من المسلمين، اللهم إلا طفلاً ولد على الفطرة وربي على غير الفطرة.
إن الله تعالى حافظ دينه الذي هو فطرته في نفوس الناس:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[الروم:٣٠]، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[الأعراف:١٧٢].
وهذه الفطرة لا يستطيع أحد أن ينتزعها من هذا الإنسان إلا لظروف خاصة، ولذلك بشر الله تعالى المسلمين وقال:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الأنفال:٣٦]، لقد رأينا معنى هذه الآية متجسداً في قصة العالم الإسلامي في وضعه الحاضر، إذ تبذل الأموال لإقامة مراكز للتنصير، ثم يأتي داعية أعزل لا يملك من المال إلا النزر اليسير، فإذا بهؤلاء الذين نصرتهم الكنيسة يعودون إلى الفطرة ولقد شاهدنا هذا في بعض مناطق في أفريقيا وقلنا: صدق الله العظيم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}[الأنفال:٣٦] فأموالهم الطائلة التي تبذل لا تستطيع أن تحرف أبناء المسلمين عن الفطرة؛ ونحن مستبشرون بموعود الله عز وجل، وهذه قضية يعيشها العالم في كل فترة من فترات التاريخ؛ حيث تبذل الأموال من أجل صدّ أبناء المسلمين عن دينهم، لكن الحقيقة:{فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً}[الأنفال:٣٦].