أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان له موقف لا ينسى، كتب إليه رجل من كبار ملوك غسان يدعى جبلة بن الأيهم قال: يا أمير المؤمنين! أنا اعتنقت الإسلام أنا وقومي وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأستأذنك في العمرة، فرحب به عمر بن الخطاب وفرح به فرح شديداً.
فجاء هذا الموكب العظيم من بلاد الشام إلى مكة، وكان يطوف حول الكعبة جبلة بن الأيهم ومعه خمسمائة من الحرس الذين اعتنقوا الإسلام معه، وبدون إرادة كان هناك رجل من فقراء المسلمين يطوف خلف جبلة بن الإيهم وهو من فزارة، وكان جبلة ما زال حديث عهد بجاهلية فكان يجر رداءه وراءه بعظمة الملوك، فوطئ الفزاري رداء جبلة بن الأيهم فسقط الإزار؛ فالتفت جبلة فلطم الفزاري لطمة فانهدم حاجبه، كيف تطأ ردائي وأنا ملك من ملوك العرب؟ فذهب الفزاري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: يا أمير المؤمنين! انظر ماذا فعل بي جبلة قال: جيئوني بـ جبلة، ما قال عمر جبلة هذا مسلم جديد اتركه يا أخي! نحن ندفع ديتك من بيت المال، ثم قال لـ جبلة: أأنت ضربت هذا الرجل؟ قال: نعم، قال: القصاص، الآن أهدم حاجبك.
إنه العدل! قال: يا أمير المؤمنين! أنا ملك وهو سوقة؟ قال: ليس عندنا في الإسلام ملك وسوقة، الناس كلهم سواء، قال: يا أمير المؤمنين! والله لو نفذت لأتنصرن، قال: والله لو تنصرت لقطعت عنقك لأنك مرتد عن الإسلام، كل هذا المكسب نسيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أجل أن يقر قواعد الأمن في بلاد المسلمين، وفي أرض المسلمين، قال: يا أمير المؤمنين أعطني فرصة ثلاثة أيام أفكر في أمري، قال: لك ثلاثة أيام إما أن ترضي الفزاري، وإما أن أهدم حاجبك، بعد ثلاثة أيام هرب الرجل في الليل هو ومن معه مرتدين عن الإسلام إلى بلاد الشام مرة ثانية، ورجعوا نصارى نعوذ بالله، ما قال عمر: يا ليتني كسبت جبلة بن الأيهم! كيف أهدده بالقصاص وهو رجل من ملوك العرب؟! خسرنا خمسمائة دخلوا في الإسلام ثم خرجوا منه، وإنما شكر الله عمر بن الخطاب أن وفقه إلى أن يقيم العدل في بلاد المسلمين.
نختم الحديث أيها الإخوة؛ لأني أخشى أن تكون هناك بعض الأسئلة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.