[حرمة عضل النساء ومنعهن من الزواج]
قال تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء:١٩]، والمراد بالعضل هنا: المنع من الزواج، وهذا الخطاب ربما يكون موجهاً إلى أولياء النساء، فقد حرم الله عز وجل على ولي المرأة أن يعضلها، ومعنى: (يعضلها)، أي: يمنعها من الزواج، فإن الزواج يعتبر حصناً منيعاً للرجل والمرأة، وربما يتسلط بعض الأولياء خصوصاً إذا كانوا من الآباء الذين لهم سلطة أكبر على منع هذه البنت من الزواج بعد أن تبلغ سن الزواج؛ فتكون المصيبة العظمى، ويكون البلاء والفتنة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
وربما تكون هناك مطامع مادية يطمع فيها ذلك الأب، كأن تكون ذات مرتب، أو لها دخل أو مال، فلا يريد أن يزوجها من أجل أن يتمتع ويستفيد من مالها، وهذا هو العضل الذي حرمه الله عز وجل في قوله تعالى: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ)، وقال في سورة البقرة: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٣٢].
وتلك الآية لها سبب: أن رجلاً طلق زوجته، وبعد مدة من الزمن فكر في إعادتها إليه والعقد عليها مرة أخرى؛ لأنه بعد انتهاء العدة لابد من عقد جديد إذا لم تكن الطلقة الثالثة، فاتفق الزوج والزوجة، ورفض الأب، فأنزل الله تعالى تلك الآية في سورة البقرة، أما هذه الآية فإنها عامة في ابتداء أو إعادة الزواج، ولذلك لا يحل للولي أياً كان حتى لو كان الأب أن يعضل موليته، أو يعضل الأب ابنته ويمنعها من الزواج؛ لأن الله تعالى قال: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ)، والعضل معناه: المنع بقوة.
وعلى هذا يقول فقهاء المسلمين: إن المرأة إذا بلغت سن الزواج وتقدم إليها من يخطبها، وتبين أن وليها قد عضلها -ولو كان الأب- ومنعها من الزواج بدون سبب، وكان ذلك الخاطب كفؤاً؛ فإن للحاكم أن يزوجها دون إذن أبيها؛ لأن الله تعالى حرم العضل، فإذا عضل وصمم على العضل لأي مصلحة من مصالحه الخاصة فإن ذلك ليس له، إلا إذا كان ذلك الخاطب غير كفء.
(وَلا تَعْضُلُوهُنَّ)، وقد يكون هذا الخطاب للأزواج، فقد يكره الزوج الزوجة ويصمم على أن يحتفظ بها من أجل أن يأخذ منها شيئاً من المال، فيحبسها وهو يكرهها حتى تفتدي وتطلب الطلاق بنفسها منه ابتداءً، فتقدم المال من أجل أن يأخذ بعض أو كل ما آتاها وهو المهر، وهذا أيضاً من الأعمال المحرمة، فإذا بدأت الكراهية من الزوج فإنه يحرم عليه أن يأخذ منها شيئاً، أو يعضلها حتى تقدم شيئاً من المال افتداءً لها، بخلاف ما إذا كرهته هي؛ فإن ذلك موجود حكمه في سورة البقرة؛ فله أن يأخذ منها المهر، كما في قصة صاحب الحديقة.
يقول الله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء:١٩]، أي: لتأخذوا بعض أو كل المهر أو أكثره حينما تطلب منه الفداء، وهو عوض الخلع، فقد يمسكها ليضرها، وهذا من الأمور التي حرمها الله عز وجل، وقد أخبر الله تعالى أنه لو آتاها قنطاراً ثم فكر في طلاقها بدون أن يكون السبب من عندها؛ فإنه يحرم عليه أن يأخذ منه شيئاً، ولو كان شيئاً قليلاً.
يقول الله تعالى: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) أيها الأزواج، أي: بعض المهر، حتى تفتدي لتتخلص من مشكلة ذلك الزوج الذي كرهها هو، وهو الذي فكر في طلاقها دون أن تكون منها رغبة هي، فإنه في مثل هذه الحال لا يجوز له أن يعضلها أو يأخذ شيئاً مما أعطاها.
{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء:١٩]، فإذا فعلت الفاحشة؛ سواءً كانت فاحشة الزنا التي هي أعظم الذنوب؛ فله أن يؤذيها من أجل أن تفتدي ليسترجع حقه؛ لأنها هي التي أفسدت عليه فراشه، أو كانت الفاحشة فاحشة الأذى أيضاً، وهي ما دون فاحشة الجريمة، بأن تكون بذيئة اللسان، مؤذية كارهة له؛ فله أن يطلب منها الفداء، كما في سورة البقرة.