[النهي عن الفساد في الأرض]
يقول الله تعالى عن آخر مقومات الاستقامة: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ} [هود:١١٦]: أهم عوامل الاستقامة النهي عن الفساد في الأرض، وأهم عناصر بقاء الاستقامة في الأرض أن ينهى عن الفساد في الأرض، ومن الذي ينهى عن الفساد في الأرض؟ الأمة الإسلامية كلها، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:١٠٤]، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠] الفساد إذا حل في الأرض تفسد حياة الدنيا كلها، وربما ينزل الله عز وجل عقوبة تكتسح هذا العالم، كما أهلك عاداً وثمود وأصحاب الأيكة إلى غير ذلك من الأمم.
ووجود الفساد في الأرض سراً ربما يكون أمره سهلاً، لكن انتشار الفساد في الأرض، وانكشاف الفساد في الأرض علناً في وضح النهار ينظر إليه المسلمون بأعينهم، ويسمعونه بآذانهم، ويعيشونه حياة طويلة من الزمن، ولا يرفعون بذلك رأساً أمر خطير جداً، فالله سبحانه وتعالى يغار على محارمه كما يغار أي شخص منا على محارم نفسه، بل إن الله تعالى لا يشبهه في غيرته أحد من خلقه، والله تعالى له محارم، ومحارم الله: ما حذر الله وما نهى عنه سبحانه وتعالى، فإذا فعل أصحاب المنكر المنكر في وضح النهار، وسكت العلماء وسكت العامة، وكل تخلى عن هذه المسئولية، حلت المصيبة بالأمة الإسلامية ولذلك مثل الرسول صلى الله عليه وسلم الحياة كلها بسفينة واحدة يسكن فيها الصالحون والفسقة والطغاة والكفار والمؤمنون، وكل أنواع البشر.
لكن هذه السفينة إما أن تبقى يحافظ عليها الجميع فتسلم هذه السفينة، وإما أن يعبث بها الجرذان وضعاف الإيمان، وشذاذ البشر، فلا بد حينئذ أن يكون في السفينة من يحافظون عليها من الغرق، فإن تركوا أوباش البشر يلعبون بالسفينة ويخرقونها ولو كان للمصلحة حسب ما يعتقدون، ليستقوا الماء من عندهم حتى لا يضطروا إلى أن يؤذوا من فوقهم بحسن نية، أو بسوء نية؛ غرقت السفينة وفيها الصالحون والفاسدون.
ولذلك نصيحتي أيها الإخوة أن نحافظ على هذه السفينة، وأن نناصح المسئولين ونقول لهم: اتقوا الله، وعلى المسئولين أن يقبلوا كلمة (اتقوا الله)؛ لأن الوعيد جاء من عند الله لمن لم يقبل كلمة: اتق الله.
وعلينا ألا نغفل عن قولنا لهم: اتقوا الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعلينا أن نحافظ على أنفسنا حتى لا تخرق السفينة داخل بيوتنا، وعلينا أن نحافظ على السفينة حتى لا تخرق في أسواقنا، فتغرق هذه الحياة كلها فيحدث أمر لا يطاق؛ ولذلك فإن الله عز وجل يقول: (فَلَوْلا) أي: فهلا (كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي: علمتم أن من قبلكم من القرون كان فيهم من لا ينهى عن الفساد في الأرض، فهل ستكونون مثلهم يا أمة الإسلام لا تنهون عن الفساد في الأرض؟! وهذ استفهام إنكاري مشدد من عند الله عز وجل.
{فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود:١١٦] أي نجاة لا تكون إلا للذين ينهون عن الفساد في الأرض، فانهوا يا إخوتي في الله عن الفساد في الأرض.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت أقدام الجميع على الاستقامة على دين الله، وأن يحفظنا وإياكم بالإسلام قائمين وقاعدين ونائمين، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يهدي ولاة أمر هذا البلد، وأن يجعلهم من الذين قال الله عز وجل فيهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤١].
كما أسأله أن يهدي ولاة أمر المسلمين والمسلمين كافة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.