[وجوب صلاة الجماعة والوعيد لمن تخلف عنها]
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى به إلى المسجد في أيام مرضه الشديد، فكان يغمى عليه في طريقه إلى الصف عدة مرات، لا يمنعه ذلك من أن يقيمها مع المسلمين جماعة.
أما صحابته رضي الله عنهم فلقد كان الواحد منهم يندم أشد الندم لو فاتته تكبيرة الإحرام، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يزور بستانه، ثم تفوته صلاة العصر، ثم يتصدق ببستانه كله؛ حيث كان سبباً في فوات صلاة العصر! أما عبد الله بن عمر فإنه كان يبكي إذا فاتته تكبيرة الإحرام، ويعتبرها مصيبة، ويقدم بين يدي توبته رقبة يعتقها في سبيل الله.
ولذلك فقد وصفهم الله عز وجل في القرآن الكريم بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:٢٩].
وقد أمرهم الله سبحانه أن يقيموا الصلاة جماعة حتى في ساعة المعركة، فلم يعذرهم، ولو غيروا شيئاً من معالم الصلاة، فقال لهم: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:١٠٢].
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توعد الذين يتخلفون عن الصلاة معه في المسجد بأن يحرق عليهم بيوتهم بالنار، فقال عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر بحطب فيحتطب، ثم أنطلق إلى قوم لا يشهدون المسجد فأحرق عليهم بيوتهم).
وقد أتاه رجل كفيف البصر شاسع الدار فقال: (يا رسول الله! أتأذن لي أن أصلي في بيتي؟ فأذن له، حتى إذا ولى ناداه فقال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم.
قال: فأجب؛ فإني لا أجد لك من عذر).
فليعلم هؤلاء المتخلفون هذا الخطأ الكبير الذي يقترفونه حينما يتخلفون عن الصلاة في المساجد، حتى لقد أصبح لا يحضر المسجد من الناس إلا النزر القليل.
فانتبهوا لهذا الأمر يا معشر المسلمين! وحاسبوا أنفسكم، واعلموا أن الصلاة بدون جماعة تفريط وتضييع لكثير من الأجر، فإن الصلاة في البيت لا تساوي إلا درجة واحدة، أما الصلاة في المسجد فيقول عليه الصلاة والسلام: (صلاة الجماعة تضاعف على صلاة الفرد بسبع وعشرين أو بخمس وعشرين درجة)، بل قال طائفة من العلماء: إن الصلاة جماعة شرط من شروط الصلاة، وإن الصلاة في المسجد شرط من شروط الصلاة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، وهو من يسمع النداء.
معشر المسلمين! إن هذا هو واجبكم، وإن هذه المساجد هي بيوت الله، فأدوا الصلاة فيها جماعة مع المسلمين، والله تعالى يقول: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:٤٣].
واحذروا التخلف؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ القاصية، فإياكم والشعاب! وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد).
ويقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).
أيها الإخوة المؤمنون! إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الرجل الذي يتعلق قلبه في المسجد يظله الله عز وجل يوم القيامة في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
فاحترموا هذه المساجد، واعمروها بذكر الله، وتلاوة كتابه، وتدبر معانيه، وتفهموه، واعلموا دورها في هذه الحياة، وشيدوها وابنوها، وابذلوا أموالكم في سبيل بنائها؛ فإن ذلك عمل خالد تجدونه يوم تقفون بين يدي الله عز وجل؛ لأنه سبحانه يقول: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:١٢].
إن أصدق الحديث كتاب الله، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة.
يقول عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه، اللهم ارض عنا معهم، وارزقنا حبهم، واجمعنا بهم في مستقر رحمتك.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم احم حوزة الإسلام من المفسدين والمخربين.
اللهم رد المسلمين إليك رداً جميلاً، اللهم وفقهم للأخذ بأسباب النصر، اللهم وأيدهم على عدوهم، ولا تكلهم إلينا ولا إلى أنفسهم ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين ولا أقل من ذلك.
اللهم وزلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم اللهم وأسقط عليهم كسفاً من السماء، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم الكافرين.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.
والحمد لله رب العالمين.