ثم جاءت الوصية العاشرة لتكون طابعاً، ولتكون جامعة لكل الوصايا السابقة، فقال الله عز وجل فيها:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:١٥٣]، ولما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية الأخيرة خط خطاً طويلاً مستقيماً وقال:(هذا صراط الله.
ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطاً فقال: هذه هي السبل.
ثم قرأ هذه الآية، وقال: وعلى كل سبيل منها شيطان، وعليها سدل مرخاة، وفي هذا السبيل -أي: المستقيم- منادٍ ينادي، فإذا أراد أحد أن يلج إحدى هذه السبل قال له: ويحك! لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه إلى يوم القيامة)، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الآية ذكرت أن سبيل الله عز وجل واحدة، وأن السبل الملتوية المنحرفة كثيرة جداً، ولعل واقعنا اليوم -ونحن نعيش أحزاباً وفئات وأفكاراً ومذاهب شتىً- يجعلنا نتصور معنى هذه الآية تصوراً كاملاً، وكيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم قد فسر لنا هذه الآية في قوله عليه الصلاة والسلام:(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة.
قالوا: من هي يا رسول الله؟! قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)؟! فما عليك -يا أخي- وأنت تبحث عن سبيل النجاة، وأنت تبحث عن سبيل السعادة وأنت تطلب وتنشد طريق الجنة إلا أن تفتش في نفسك، وإلا أن تفتش في بيتك، وإلا أن تفتش في أولادك وأهلك، فإن كانوا على المنهج الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقص فعليك أن تشكر الله، وأن تسأل الله عز وجل الثبات على هذا الأمر، وإن كنت في أهلك أو في نفسك أو في بيتك على غير المنهج الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم فعليك أن تخشى الله في نفسك أولاً، ثم تخشى الله في هذه الذرية وفي هؤلاء الأهل الذين استرعاك الله عز وجل عليهم، لتعود إلى الطريق المستقيمة التي أمرك الله عز وجل بسلوكها في قوله:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:١٥٣].