العدل في مفهوم اللغة العربية هو: الإنصاف وعدم الميل والشطط، والتعامل مع الناس على حد سواء، دون أن تكون هناك فوارق أو محسوبيات، ودون أن تكون هناك أمورٌ لا يقرها الشرع ولا العقل.
فالإمام العادل هو الذي يحكم بين الناس بحكم الله عز وجل، ولذلك يقول الله تعالى لداود عليه الصلاة والسلام:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص:٢٦]، هذا هو العدل! ولذلك أرسل الله المرسلين بالكتب السماوية من أجل أن يعدلوا بين البشر، بحيث لا يكون للمحسوبيات ولا للآباء ولا للأمجاد ولا للمراكز أي أثر في إقامة العدل بين عامة الناس، فالناس سواسية كأسنان المشط.
إذاً: الإمام العادل هو الذي يحكم بشرع الله عز وجل، فإن حكم بأحكام الطواغيت، وآراء الرجال، وأعرض عن شرع الله؛ فهو الكافر المرتد الذي يقول الله عز وجل عنه:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:٤٤]، وهو الظالم لنفسه وللأمة الذي يقول الله عز وجل عنه:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة:٤٥]، وهو الفاسق الخارج عن طاعة الله، وليست له طاعةٌ على الناس؛ لأن الله تعالى يقول:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[المائدة:٤٧].
والأمة التي تتحاكم إلى هذا الجائر الحاكم بغير ما أنزل الله أمةٌ ضالة منحرفة عن النهج القويم والصراط المستقيم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}[النساء:٦٠]، ويقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه الكريم:{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}[النساء:١٠٥]، ولم يقل: برأيك؛ لأنه حتى النبي عليه السلام ليس له أن يحكم برأيه، فضلاً عن أن يأتي رجل كافر أو حتى مسلم ليضع قانوناً للبشرية غير شرع الله سبحانه وتعالى، ولذلك فإن البشرية لا يجوز لها أن تخضع لنظام غير نظام الله أو لشرع غير شرعه.
الإمام العادل: هو الذي يقول الله عز وجل فيه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ}[الحج:٤١]، أي: أعطيناهم سلطة، ونفوذاً، وتصرفاً، وأمراً ونهياً {أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}[الحج:٤١].
هذا هو الإمام العادل يقيم الصلاة في نفسه ويقيمها في الأمة ويؤتي الزكاة المفروضة، ويفرضها على الأمة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أما لو وقف هذا الإمام ضد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس بعادل، ولم يؤدِ الأمانة والمسئولية التي أناطها الله عز وجل بعنقه، وسيسأل عن هذه الأمانة يوم القيامة: أحفظ أم ضيع؟ الإمام العادل: هو الذي لا يقدم نفسه على غيره، ولا يرى لنفسه حقاً على غيره، بل ويترفع عن حظوظ نفسه مقابل إقامة العدل في مجتمعه، ولا يتميز إلا بما ميزه الله عز وجل، أما هو فإنه يساوي بين حاشيته وبين نفسه وبين غيره.