إن باب التوبة مفتوح، وهؤلاء الذين يسبون الله ورسوله في أيامنا الحاضرة لو تابوا لقبل الله توبتهم؛ لأنه تعالى أوجب على نفسه قبول التوبة؛ بشرط ألا تفارق الروح الجسد وهم على باطلهم، وبشرط ألا تطلع الشمس من مغربها وهم على منكرهم، فنقول لكل الذين يحاربون الإسلام بالسلاح أو بالقلم، بالكلمة أو بالسخرية: ما زال باب التوبة مفتوحاً، اتقوا الله، وعودوا إليه، وأصلحوا العمل، فإن توبتكم لا تقبل إلا إذا تأكد صلاح العمل كما قال الله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}[البقرة:١٦٠]، فلربما يتوبون ظاهراً خوفاً من الأمة الإسلامية، فلابد أن يصلحوا العمل، وأن يبينوا؛ بحيث ينقضون ما كانوا يقولونه بالأمس من حربهم للإسلام وسخريتهم وعدائهم لهذا الدين، فالله تعالى قد فتح باب التوبة، وقال:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال:٣٨].
ليس هناك دين أعظم من هذا الدين في فتحه باب التوبة مع وضع الآصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل، فإن بني إسرائيل لما أرادوا أن يتوبوا قال الله لهم:{فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}[البقرة:٥٤] والنصارى لا تتم توبتهم إلا بالاعتراف بالذنوب أمام القساوسة ليعطوهم صكوك الغفران كما يقولون؛ لكن الإسلام يقول:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال:٣٨] والإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها؛ اللهم إلا إذا كانت هناك حقوق للخلق فلابد من ردها، وإذا عجز الإنسان عن ردها فقد يتجاوز الله عز وجل عنه، ويرضي صاحب الحق بما يعطيه في الآخرة؛ بحيث يعفو عن هذا الحق الذي له.
وهذا الرد للحقوق شرط من شروط التوبة للمسلم، أما الكافر فإنه بإسلامه يغفر له ما قد سلف، ولا يلزمه شيء مما فعله في كفره ولو قتل من المسلمين آلافاً مؤلفة.
فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه كان أكبر من نال من المسلمين في يوم أحد، ومع ذلك صار من خيار الصحابة حين أسلم، وقال له الرسول عليه السلام حين أخذ الراية في مؤته:(فأخذها سيف من سيوف الله، حتى فتح الله على يديه).
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أشد المشركين عداءً للإسلام، فلما هداه الله تعالى للإسلام أصبح أحد المبشرين بالجنة، بل هو ثاني العشرة المبشرين بالجنة.
باب التوبة مفتوح، بشرط ألا يتمادى الإنسان في غيِّه، وألا يركب رأسه، وألا تغره الحياة الدنيا، وألا يغره بالله الغرور بشرط ألا يغتر بالصحة والعافية والشباب بشرط ألا يغتر بالمنصب والتخويل الذي خوله الله عز وجل إياه، والله تعالى يقول:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ}[الأنعام:٩٤].
إن باب التوبة مفتوح، ولذلك يقول الله تعالى لرسوله عليه السلام: يا محمد! {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال:٣٨] عن كفرهم وحربهم للإسلام، ومطاردتهم لرسوله عليه السلام، وأذيتهم للمؤمنين، وحمل السلاح في وجوه المسلمين، (يغفر لهم ما قد سلف).
و (يغفر) جواب الشرط، و (ينتهوا) فعل الشرط، وجواب الشرط لا يأتي إلا إذا جاء فعل الشرط؛ فلا (يغفر) ما قد سلف إلا إذا (انتهوا) عن حربهم وعنادهم للإسلام.