[هداية القرآن وتعلق الأمن به]
أيضاً هو هدى للناس في كل أنظمة الحياة، فمثلاً: كل العالم يسعى إلى الأمن ويطلب الأمن، ويقدم كل ما يستطيع من أجل أن يتحقق الأمن لأمة من الأمم، الدول الكبرى الكافرة خاضت منذ عشرات السنين حربين عالميتين، خسرت من خلالهما عشرات الملايين من البشر؛ بحثاً عن الأمن، ولكن الأمن لا يتحقق لها.
الإحصائيات الرسمية تسجل الجريمة في الدقيقة والثانية في بلاد التطور التي صنعت كل وسائل الاكتشاف، ومع ذلك لا تملك الأمن من خلال الحروب المدمرة أو الصناعات المتطورة أو العقول المفكرة، وإنما تملك الأمن من خلال عقيدة صحيحة؛ لأن الله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢].
الأمن على الأموال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:٣٨].
الأمن على الأعراض: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢].
الأمن على السمعة: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:٤].
الأمن على المعتقدات: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة:١٢].
(من بدل دينه فاقتلوه).
الأمن على العقول في جلد شارب الخمر.
الأمن على الأمن في عقوبات قطاع الطريق: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:٣٣].
إذاً: الأمن إنما هو من خلال هذا الدين.
الأمن على الدماء في القصاص، وقديماً كان العربي يقول قبل الإسلام: القتل أنفى للقتل، حتى أنزل الله عز وجل ما هو أبلغ من ذلك: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:١٧٩] قتل القاتل الذي يريد أن يهدد أمن الأمة أو يفسد في هذه الأرض، فهذا القتل وهذا القصاص هو حياة للأمة؛ لأن الذي يفكر في القتل حينما يعلم أن مصيره القتل يكف عن قتل غيره؛ ليحفظ دمه، يقول الله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:١٧٩].
إذاً: هذا القرآن منهج أمن، يقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} [الأنعام:٨٢] و (ال) في الأمن هنا: للاستغراق، كما أنه أمن في الدنيا أيضاً هو أمن في الآخرة {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} [الأنبياء:١٠٣].
إذاً: هذا القرآن هدى للناس؛ لكن بشرط أن يستهدي به هؤلاء الناس، وأن يرفعوه فوق رءوسهم وأن يطبقوه، ولا يكفي في تطبيقه أن يحفظ أو تكثر حلق حفظ القرآن، ولكن يجب أن يحمل في القلوب وأن يطبق في المجتمعات، وحينئذ يتحقق الهدى الذي يقول الله عز وجل عنه: (هدى للناس).