[ضرورة تربية النشء في المساجد والتحذير من التفريط عن ذلك]
الأمانة التي بين أيدينا عظيمة، والله عز وجل سائلنا عن هذه الأمانة، ألا وهي الذرية، وهذه الذرية إذا تربت في المساجد فسنجني ثمارها بالبر والصلة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بأن الولد الصالح يستفيد منه أبوه في حياته بالبر ويستفيد منه أيضاً بعد موته، يقول عليه الصلاة والسلام:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
وفي الآخرة، يقول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الطور:٢١]، والمؤمنون هم الذين يفعلون الأسباب، وذلك بأن يربوا هذه الذرية وفق المنهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، وفي المسجد بصفة خاصة، ثم يمدون أكف الضراعة لله عز وجل ويقولون:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}[الفرقان:٧٤].
أما النوع الآخر الذي يفرط في هذه الأمانة وينشغل بمتاع الحياة الدنيا عن تربية هذا النشء فإن أخوف ما أخاف عليه أن يجني ثمار هذا التفريط عما قريب، فيكون العقوق وتكون القطيعة، وأتوقع أن يكون هذا الولد مصيبةً على أبويه، أما في الحياة الآخرة فإنها المصيبة الكبرى، يوم يوقف هذا الولد وتوقف تلك البنت وهذا الأب وتلك الأم بين يدي الله عز وجل أحكم الحاكمين ويقول الولد لربه: يا رب! زد أبي هذا عذاباً ضعفاً من النار؛ فإنه خانني فلم يحسن تربيتي.
أخي الكريم! الرجال لا يتربون إلا في المساجد، فعلينا أن نبذل كل ما في وسعنا وطاقتنا لننشئ أولاداً صالحين تقر بهم أعيننا في الحياة الدنيا، وتقر بهم عيون المجتمع، وحينئذٍ فإن الله عز وجل بمقدار ما يقدمه هذا النشء الصالح الذي ربيناه في المسجد سيكتب لنا الحسنات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).
ألا فلنكن من الذين قال الله عز وجل فيهم:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الطور:٢١].
والله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[الأنفال:٢٧ - ٢٨]، ويقول سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:٦]، فلنحفظ هذا النشء، ولنصن هذه الذرية من قرناء السوء، ومن هذا الفساد العريض الذي انتشر في المجتمعات الإسلامية، ولنحفظهم من الأفلام والمحرمات، ومن اللهو واللعب، ولنتق الله عز وجل في هذه الأمانة.