نعود إلى الوصايا العشر بشيء من التفصيل؛ لأن واحدة منها تستغرق عدة دروس، ولكني سأمر عليها مرور الكرام، ولربما يستوقفني بعضها حينما يكون لها صلة بالواقع المرير الذي يعيشه كثير من العالم الإسلامي، وهذه الوصايا العشر علينا أن نصغي وأن نصيخ بأسماعنا لها، خاصة أن الله عز وجل يقول في مقدمتها:{قُلْ تَعَالَوْا}[الأنعام:١٥١]، وأصل كلمة "تعال" في اللغة العربية من العلو، وهو: الارتفاع، وإن كانت الصيغة تستعمل لمطلق النداء، فإذا ناديت أحداً -ولو كان في مستواك- تقول له: تعال.
إلا أن معناها اللغوي قد يكون مقصوداً في مثل هذه المناسبة، فعلى المسلم إذا أراد أن يسمع كلام الله عز وجل أن يتعالى عن المجتمع الآثم وعن الأفكار المنحطة وعن الأوضاع الساكنة، من أجل أن يسمع كلام الله عز وجل، أما أن يسمعه بأذن قد أقفلت فإنه لا يكاد أن يسمع كلام الله عز وجل أبداً.
وقوله تعالى:{أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[الأنعام:١٥١] هذه الوصايا العشر تبدأ بالتوحيد، والتوحيد ليس بالأمر السهل، فأمر التوحيد عظيم؛ فإن التوحيد هو القاعدة وهو الركيزة التي تُبنى عليها عبادة الإسلام، وتُبنى عليها عقيدة المسلم، وأي بناء ليس له أساس فإنه قابل للانهيار، والتوحيد استحق أن يبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة في حياته المكية لمدة ثلاث عشرة سنة وهو يقول للناس:(قولوا: لا إله إلا الله) لا يزيد على ذلك، ولربما يلفت الأنظار طول هذه المدة، ولكن حينما نرى أثر التوحيد في العبادة وضعف العبادة بدون توحيد لا نستكثر هذه المدة، فإنها مدة استطاعت أن ترسي عقيدة التوحيد بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.