[الدروس المستفادة من قصة موسى عليه السلام مع فرعون]
لابد أن نستنتج من هذه القصة دروساً، وهذه الدروس لا نوجهها إلى بني إسرائيل؛ لأن بني إسرائيل رفضوها، وإنما نوجهها إلى المؤمنين من هذه الأمة؛ حتى يأخذوا منها العظة والعبرة والدرس، حتى لا ينحرفوا كما انحرف بنو إسرائيل، وحينئذ هذه الأمة ليست أقرب إلى النبوة من بني إسرائيل، فبنو إسرائيل فيهم النبوة منذ عهد يعقوب عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، باستثناء نبي واحد هو محمد صلى الله عليه وسلم، فجميع الأنبياء في بني إسرائيل باستثناء محمد صلى الله عليه وسلم، فليس هو من بني إسرائيل، أما النبوة فإنها كلها في ذرية يعقوب عليه الصلاة والسلام.
إذاً: معنى ذلك أن بني إسرائيل أقرب إلى النسب الشريف إذا كانت المسألة مسألة أنساب، لكن هذه الأمة تمتاز بأنها خير أمة أخرجت للناس، وإن لم يكن منها إلا نبي واحد وهو خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فالقصة ليست مسألة نسب، وليست مسألة وراثة، ولكنها مسألة تمسك بهذا الدين، فمن أخذ بهذا الدين فهو النسيب الشريف العظيم القريب من الله عز وجل، ومن انحرف عن هذا الدين أياً كان هذا الإنسان فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين.
نعود إلى بعض الدروس التي سمعناها في هذه السورة في هذه الآيات من دروس بني إسرائيل، أولاً: هذه الآيات لا يستفيد منها إلا المؤمنون، كما قال الله عز وجل في مكان آخر:{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:٤٣]، أي: الذين عندهم علم وعقل، وهنا يقول الله تعالى:{نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[القصص:٣]، أما القوم الذين لا يؤمنون فيظنون أنها قصة كسائر القصص التي يسمعونها! ولربما يسمونها أسطورة -نعوذ بالله- حينما ينحرفون عن المنهج الصحيح، ثم تمر هذه الآيات وهذه القصة التي تقطر بالآيات والعظات والعبر، ثم لا يستفيد منها هؤلاء القوم، لكن المؤمنين هم الذين يستفيدون من مثل هذه القصة.
يقول الله تعالى عن هذه الآيات:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ}[القصص:٤]، هذا هو السر الذي جعل فرعون ينتهي سلطانه، العلو في الأرض، من أعظم الذنوب عند الله عز وجل التعالي، سواء على الله سبحانه وتعالى أو على خلق الله، هو أسوأ طريق يورد الأمم إلى الهاوية، ولذلك نجد في قصة إبليس أنه كان في الجنة، وكان من الملائكة، ولكن ما الذي حدث؟ الذي حدث أنه علا في الأرض، فأصبح إبليس ملعوناً يلعنه الناس إلى يوم القيامة، وهو الذي يقود الأمم إلى جهنم يوم القيامة؛ بسبب أنه علا في الأرض وتكبر، وفرعون هنا كان صاحب سلطان عظيم، وكان كما يقول عن نفسه:{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ}[الزخرف:٥١ - ٥٢]، يقصد به موسى عليه الصلاة والسلام, {وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:٥٢].
إذاً: القصة بدأت من العلو في الأرض، فأي أمة يمكن الله عز وجل لها في الأرض ويؤتيها من ملكه وسلطانه فيجب أن تستغل هذا الملك وهذا السلطان فيما يرضي الله عز وجل، فإن استعملت هذا الملك وهذا السلطان في الكبرياء على خلق الله، واستذلال الأمم، وأذية الدعاة ومطاردتهم، ومتابعة أنفاسهم، إلى غير ذلك مما يؤدي إلى العلو والاستكبار في الأرض، فإن هذه الأمة قد أوشكت على النهاية؛ لأن هذا الرجل بدأت نهايته:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:٤].
ولعل السر في تذبيح الأبناء الذكور بصفة خاصة والاستبقاء على النساء يرجع إلى رؤيا قيل: رآها فرعون، أو تخمين جاء في نفسه بأنه سوف يولد طفل من بني إسرائيل يكون هو سبب نهاية فرعون، وهذا غيب من غيب الله عز وجل، لا يطلع عليه إلا الله عز وجل ومن أراد من المرسلين، لكن جاء في ذهنه هذا الأمر، فأوحى إلى زبانيته أن كل ولد ذكر يولد لا بد أن يقتل، ولا يبقى إلا النساء، ثم جاءت فترة خشي أن ينقرض شعبه؛ فصار يقتل سنة ويستبقي سنة أخرى، ومن عجائب قدرة الله عز وجل أن موسى ولد في السنة التي يقتل فيها فرعون الأبناء، حتى يكون أبلغ في التحدي، كما كان من التحدي أن يدخل موسى وهو طفل رضيع إلى بيت فرعون، ولذلك فإن الله عز وجل أراد أن يفرضه فرضاً عليه حتى يرى أن احتياطه لا ينفع ولا يرد من قضاء الله عز وجل وقدره شيئاً، فولد موسى عليه الصلاة والسلام، وشب في بيت فرعون، وألقى الله عز وجل عليه المحبة؛ فاحتضنته زوجة فرعون المؤمنة، وبقي هذا الطفل حتى أصبح رجلاً، فكان سبباً في نهاية فرعون.