القسم الأول: نوع يسعى إلى الحياة الدنيا جهده، فهو لا يريد إلا الحياة الدنيا، يعمر بها مجالسه، ويسعى فيها طول عمره في غفلة عن الحياة الآخرة، وإذا قدم عملاً من الأعمال التي يرجى بها وجه الله عز وجل فإنه يحبط هذه النية التي بها يكسب الأجر، فهذا ليس له في الآخرة من نصيب؛ لأنه لا يريد إلا الحياة الدنيا، ولا يريد الحياة الآخرة، ولكن الله سبحانه وتعالى يعطيه من الدنيا التي يسعى إليها نصيباً كما يريد الله لا كما يريد هو، يقول سبحانه وتعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}[الإسراء:١٨ - ١٩]، وقال سبحانه: (وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:٢٠].
وقد قال المفسرون في معنى الآية الأخيرة: إن العبد ليعمل العمل يشبه عمل المؤمنين كأنه يقربه إلى الآخرة، ولكنه لا يريد بعمله هذا إلا الدنيا يقدم المال للفقراء باسم الإنسانية، ويبذل جهده في خدمة الوطن باسم الوطنية، لكنه يفقد النية الصالحة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، فيعطيه جزاء ذلك في الدنيا من صحة وقوة في السمع وفي البصر ومن مال وولد، فيعجل له جزاءه وافياً كاملاً غير منقوص؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحداً حقاً من حقوقه.
وهذا النوع أيضاً إذا رفعوا أكف الضراعة إلى الله لا يسألونه إلا الدنيا؛ لأنها ملكت قلوبهم، وسيطرت على أفئدتهم، فهم يقولون دائماً:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}[البقرة:٢٠٠].