وبعد ذلك ربما تنضم جبهات تزعم أنها على الإسلام إلى الكافرين؛ لتقول للكافرين: اضربوا الإسلام ونحن معكم! فسيأتي اليوم الذي تكون فيه القوة للأمة الإسلامية، وحينئذٍ يوجد المنافقون، لكن قد توجد فئات أخرى تشبه المنافقين من القوميين والعلمانيين والملاحدة والمتربصين والانتهازيين، إلى غير ذلك من الألقاب الجديدة، وهؤلاء هم لا يبالون بالأمة الإسلامية، ولا ينافقون، لكنهم يندسون في المجتمع الإسلامي ويقولون للكفار: افعلوا ما شئتم في الأمة الإسلامية فنحن معكم، وربما يربيهم الكفار في بلادهم، ثم يدسونهم في المجتمعات الإسلامية؛ ليخربوا صف الأمة الإسلامية، ولينتهزوا الفرص التي يجب أن تتحد فيها الأمة الإسلامية، فيتحرك أولئك كالجرذان كما رأينا في العام الماضي؛ فحينما انشغلت الدولة في حرب ألد أعدائها، وحينما كشر العدو عن أنيابه في عدة مناطق من بلاد المسلمين ضد هذه الدولة؛ نجد أن هؤلاء الفجرة تحركوا ليربكوا نظام الدولة، ومن أجل أن يستغلوا هذه الفرصة، ومن أجل أن يشوهوا سمعة المسلمين والدعاة إلى الله عز وجل، فهؤلاء لا يخفون على الله عز وجل، ولا يخفون أيضاً على المؤمنين.
ولذلك الله تعالى يكشفهم هنا فيقول:{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا}، وهم على ثقة من إيمانهم ودينهم بالله عز وجل، أي: المؤمنون يقولون للكفار: {أَهَؤُلاءِ}[المائدة:٥٣]، أي: يشيرون إلى المنافقين أو المندسين في صفوف المسلمين، الذين استعملهم الكفار لضرب الأمة الإسلامية من أبناء الجلدة، وقد يكونون من أبناء الجلدة، وغالباً يكون المنافقون هم من أبناء الجلدة؛ لأنهم يندسون في المجتمع من أجل أن يفسدوا الصف، وهم الذين أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: بأنهم سوف يأتون في آخر الزمان وهم قوم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا -أي: باللغة العربية الفصحى- دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فهؤلاء الدعاة يبرزون في نقط وفي مواقع سوداء من تاريخ الأمة الإسلامية، وكلما شعروا بضعف الأمة الإسلامية أو بضعف الدعاة، أو كلما توقفت الدعوة نشطوا هم من الجانب الآخر، كما شاهدتموهم في العام الماضي، فهؤلاء المؤمنون يستهينون بهم، اسمعوا ماذا يقولون عنهم:(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا)، أي: للكافرين، (أَهَؤُلاءِ)، وهذا من باب التحقير:{أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}[المائدة:٥٣]، أي: تعتمدون أيها الكفار! على هؤلاء الذين حلفوا يميناً مغلظة بأنهم سوف يتعاونون معكم ضد الإسلام وضد الأمة الإسلامية، وهؤلاء لا خير فيهم، ولا قيمة لهم، ولا نقيم لهم وزناً ولو كانوا من أبناء المسلمين، ولو كانوا يتسلمون مناصب مهمة في بلاد المسلمين، فهؤلاء لا وزن لهم ولا قيمة، وسوف يكونون هم الضحية الأولى -إن شاء الله- حينما يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده.
وقوله:(أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ)، أي: كانوا يتظاهرون بالخير، (جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ)، أي: يغلظون الأيمان المتكررة، (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ)، أي: ضدنا نحن المؤمنين، (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)، أي: لا خير فيهم، وسقطت أعمالهم وبطلت.
واختلف المفسرون في قوله تعالى:(حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)، أهي من كلام المؤمنين أم من كلام الله عز وجل؟ فيُحتمل أنها من كلام المؤمنين يتهمون ويقولون للكفار: إن من تعاون معكم من أبناء جلدتنا من المنافقين المندسين في الصفوف الإسلامية هؤلاء لا قيمة لهم ولا وزن، ثم أيضاً هم مرتدون عن الإسلام؛ لأن معنى (حَبِطَتْ) أي: بطلت بسبب أنهم ارتدوا عن الإسلام.
وقوله سبحانه:{حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة:٥٣]، لأنهم خسروا الدنيا وخسروا الآخرة، خسروا قومهم فانضموا إلى معسكر العدو، وخسروا الآخرة لأنهم ارتدوا عن دين الإسلام، فأصبحوا حطباً لجهنم، والعياذ بالله! هذا هو موقفنا مع الانتهازيين ومع العلمانيين ومع المتمسلمين، الذين يندسون في صفوف المسلمين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين؛ موقفنا معهم واضح كموقفنا مع اليهود والنصارى وجميع فئات الكفر، فموقفنا مع اليهود والنصارى أننا نقول:{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:٥١]، ولا نتولاهم ونركن إليهم، ولا نعتمد عليهم في أمر من الأمور، وموقفنا مع هؤلاء المحسوبين على الإسلام والذين يندسون في صفوف المسلمين من المخربين، موقفنا معهم الاستهزاء والسخرية، وأنهم لا خير فيهم، والدليل أنهم لا خير فيهم: أنهم يخربون على أنفسهم وعلى أبناء جلدتهم، ثم أيضاً هم مرتدون عن الإسلام بانضمامهم إلى الكافرين.