للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريم الفواحش ووجوب الحذر من فعل أسبابها]

ثم قال سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:١٥١]، والفواحش: جمع فاحشة.

والفاحشة في اللغة العربية هي الشيء الواسع، والفاحشة في اصطلاح الشرع هي الذنب العظيم، لكن يغلب إطلاق الفاحشة على فاحشة الزنا؛ لأنها تعتبر من أعظم الذنوب، إن لم تكن أعظم الذنوب بعد الإشراك بالله عز وجل.

ومن دقة القرآن العظيم أن الله عز وجل قال: (لا تقربوا)، ولم يقل: ولا تفعلوا الفواحش.

فنريد أن نحدد الفرق بين الفعل والقربان، فالفعل هو الاقتراف، والقربان معناه الدنو، وعلى هذا فإن قول الله عز وجل: (ولا تقربوا) يعطينا معنىً آخر حتى نحتاط لهذه الفاحشة، فلا ندنو منها؛ لأننا حينما ندنو منها نقع فيها غالباً، إلا من عصمه الله عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)، وإذا كان الذنب فاحشة فإنه تستحق هذه الفاحشة أن يمنع عن الدنو منها فضلاً عن مواقعتها.

ولذلك أقول وبكل لوعة: مُهدت اليوم في العالم الإسلامي كل سبل الفاحشة، فأصبح الدنو منها وشيكاً، وأصبح الناس على خطر من الوقوع في هذه الفاحشة، كيف ذلك؟ سخرت أكمل وسائل هذه الحياة من أجل وقوع الناس في هذه الفاحشة، كما قال الله عز وجل: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:٢٧].

فإن قيل: كيف ذلك؟ فنقول: إنك حينما تلقي نظرة سريعة على واقع العالم الإسلامي اليوم -ونكاد أن نقول: كله.

وإذا حابينا نقول: جله- تجد أنه قد وجد فيه السبيل لهذه الفاحشة.

فحين نأتي إلى فاحشة الزنا -مثلاً- نجد أن وسائل الإعلام أكثرها يخدم هذه الفاحشة باسم التسلية، وباسم الترفيه، وأصبح الإعلام يقرب من هذه الفاحشة، وما عليك إلا أن تحرك موجات التلفاز أو موجات المذياع، أو أي وسيلة من وسائل النشر والإعلام لترى فيها الدعاية لهذه الفاحشة، سواء أكانت بصورة مباشرة أم غير مباشرة، وبصورة مقصودة أم غير مقصودة.

إن السبل قد مُهدت، حيث نجد تلك السبل في كثير من وسائل الإعلام -خاصة المرئية- التي غُزي بها المسلمون في عقر دارهم، وأصبحت خطراً لم يترك بيت شعر ولا مدر إلا دخله، وأصبح من الصعب أن يتقي الإنسان هذه الوسائل، وأصبحت تأتينا بأفلام رخيصة فيها رقص واختلاط ومسرحيات تمهد للجريمة، وتعلم المرأة الخيانة الزوجية، وتعلمها كيف تتخلص من هذه الضوابط التي يسمونها قيوداً لتقع في فخ أعداء الإسلام، وهذه المسرحيات لو أمسكتها من أول خيط إلى آخر خيط فيها -إلا ما شاء الله- لوجدتها تهدم الأخلاق والفضائل، وتعلم المرأة الخيانة الزوجية، وهذا ينتشر في التلفاز في كثير من الأحيان في أكثر العالم الإسلامي.

ثم تأتي أغانٍ خليعة صفيقة مؤلمة جارحة لقلب المؤمن، فتجدها تنتشر في بيوت المسلمين حتى تغيرت وانقلبت كثير من بيوت المسلمين رأساً على عقب، فتلك البيوت التي كان بالأمس لا يُسمع فيها إلا دوي القرآن ما بين راكع وساجد في الليل منيبين إلى الله عز وجل تغيرت، فلا تكاد تقف أمام بيت من بيوت المسلمين إلا وتسمع الرقص والموسيقى والمسرحيات والأغاني والأمور الفظيعة، مما يدمي قلب المؤمن ويخيفه على دينه، إلا أن الله عز وجل تكفل بحفظ هذا الدين وبحفظ منهجه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩].

فهذا يأتي عن طريق هذه الوسائل، وأخطر من ذلك تلك الوسائل التي ليست عليها رقابة، والتي تتسرب إلى بيوت المسلمين ومجتمعاتهم بطريقة سرية، فمن رآها يخبر بأنه رأى فيها ما هو أكبر من ذلك من الفواحش المكشوفة التي تعلم الإنسان كيف يفعل الفاحشة مباشرة.

وكثير من المجلات تهدف إلى هذا الهدف الخبيث، وتقرب الناس من الفاحشة، ابتداءً من صورة الغلاف، حينما يختارون لها أجمل فتاة في شكل عارٍ، إلى آخر سطر من أسطرها، فكلها دعاية، حتى الدعايات للبضائع التي تُباع أصبحت تبث من خلال المرأة وجمالها وتفسخها، وعلى حساب أخلاقها وحريتها من قوم يزعمون أنهم يبحثون عن حقوق المرأة وعن حرية المرأة، حتى الجو لم يخل من ذلك، فإذا كان قد ظهر الفساد في البر والبحر فقد ظهر الفساد أيضاً في الجو، فلا تكاد تركب طائرة بتاتاً حتى تقابلك فتاة وضعت من أجل جذب أبصار هؤلاء الركاب، ومن أجل إيجاد شيء في نفوسهم من الفتنة، وليس لها هم إلا أن تمشط شعرها، وأن تعرض جمالها، وأن تستعمل الأصباغ والأدهان من أجل أن تزيد مرضاً من في قلبه مرض! فهذه مصائب كلها عمت وطمت، لا يجوز أن نغمض أعيننا عنها مهما كان الثمن، ومهما عز المطلب؛ لأننا أمة يجب أن نقول كلمة الحق في المنشط والمكره وفي العسر واليسر.

وهذا كله داخل في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} [الأنعام:١٥١]، وأي سبيل للبعد عن الفواحش وأنت لا تستطيع أن تركب الطائرة إلا وأمامك فتاة، وعن يمينك فتاة، وعن شمالك فتاة؟! وأي وسيلة للبعد عن هذه الفاحشة ولا يكاد -إلا ما شاء ربك- أن يخلو بيت من بيوت المسلمين من هذه الوسائل التي أصبحت نقطة وصل بين الإنسان وبين الفاحشة إلا من عصمه الله تعالى؟! ولذلك تعبير القرآن تعبير دقيق، فلم يقل الله عز وجل: ولا تفعلوا الفواحش.

حتى لا يقول إنسان من الناس: أنا أريد أن أدنو من الفاحشة حتى لا يكون بيني وبينها إلا ذراع، وعلي أن أضبط وأن أكبح جماحي حتى لا أقع في هذه الفاحشة.

ولكن الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه).

فلنحذر هذه المقدمات؛ لأنها ستؤدي إلى هذه النتائج، ولقد نشأ عن هذه المقدمات مرض في نفوس كثير من الناس، فأصبحوا كمن يشرب الماء المر ولا يروى أبداً، ولذلك فإن هؤلاء مطالبهم لا تقف عند حد؛ لأن هذا الفساد وصل إلى بيوتهم، ثم وصل إلى قلوبهم، ثم ما زالوا يريدون أكثر من ذلك، فهم غير راضين عن هذه الأوضاع، ويعتبرون أن هذه الأوضاع مازالت تعيش تخلفاً وتأخراً، فعلينا أن نأتي بالضربة القاصمة، وذلك عن طريق حرية المرأة وحقوق المرأة، فقامت دعوات في الصحف التي تنشر في البلاد الإسلامية تتهم الحجاب بأنه تقوقع، وتتهم الحجاب بأنه من مخلفات القرون الوسطى، ويهاجمون دين الله، والله عز وجل يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:٣٠]، ثم يقول: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:٣١]، ويقول هؤلاء: يجب على المرأة أن تشارك الرجل في كل أمر من أمورها، ويجب أن ترفض هذا الحجاب؛ لأن هذا الحجاب إنما هو إهانة للمرأة، وحينما ترفض هذا الحجاب عليها أن تشارك الرجل في كل عمل من أعماله، بحيث لا يختص الرجل بعمل وتختص المرأة بعمل آخر.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).