صار المسلمون يستغيثون بالله، وهذه النقطة الحساسة هي التي يجب أن ننتبه لها اليوم؛ فليس الرسول صلى الله عليه وسلم وحده هو الذي وقف يسأل الله ويتضرع بين يدي الله ويقول:(اللهم! إن تهلك هذه العصبة لا تُعبد في الأرض)، بل حتى المسلمون كانوا يستغيثون، وما استغاثوا بغير الله عز وجل، ولا فكروا في أن يمدوا أيديهم إلى فارس أو إلى الروم؛ لأن الإسلام لا ينتصر إلا بنصر الله عز وجل وبجهود المسلمين الذين يسلطهم الله تعالى على الكافرين.
فالاستغاثة في مثل هذه الظروف الشديدة يجب أن تكون بالله عز وجل، والله تعالى يملك قلوب العباد، وهو الذي يملك نواصيهم فكلها بيده، كما قال عز وجل:{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[المنافقون:٧]، وقال:{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الفتح:٤]، سواء كان المستغيث من البشر أو من الملائكة؛ فالمكروب الذي وصل إلى ساعة الصفر وطوقه عدوه من كل جانب حينما يستغيث بالله عز وجل، فإن الله تعالى قريب مجيب.
ولذلك لم يخيب الله عز وجل استغاثة هؤلاء القوم, إنما أسعفهم بملائكة، وأخبرهم أن هؤلاء الملائكة لا ينفعون ولا يضرون من دون الله.
وهؤلاء الملائكة نزلوا من السماء، وكانوا خمسة آلاف ملك مدججين بالأسلحة، وواحد منهم يستطيع أن يقلب الأرض كلها رأساً على عقب بأمر الله عز وجل، ومع ذلك لا يُعتمد عليهم، ولذلك سيأتينا من أين يأتي النصر، فليس من الملائكة، وإنما هو من عند الله عز وجل.
فالله تعالى يقول للمسلمين هنا (إِذْ)، أي: اذكروا أيها المسلمون! {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ}[الأنفال:٩]، أي: تطلبون الغوث من الله عز وجل وتقولون: يا رب! يا رب! يكررون هذه الدعوة، ويتهجدون في جنح الليل المظلم، ويتضرعون بين يدي الله عز وجل، ويزيلون المنكرات حتى لا يبقى في الأرض منكر؛ لأن النصر لا ينزل مع وجود المنكرات في الأرض، لاسيما إذا كانت هناك منكرات كبيرة، ولاسيما إذا كان هناك دعاة للباطل والضلال قد رفعوا رءوسهم، ولاسيما إذا كانت هناك أماكن يحارب فيها الله عز وجل، وينتشر فيها الربا، ويُؤذى فيها الدعاة إلى الله تعالى، ويُؤذى فيها أولياء الله؛ وهم الذين تعتبر أذيتهم حرباً لله، فالله تعالى يقول في الحديث القدسي:(من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، وهل يستطيع إنسان أن يحارب الله ويحارب الناس في آنٍ واحد؟! يستطيع، وإذا حارب الله وحارب الناس فسوف يسلط الله عز وجل عليه هؤلاء الناس؛ لأن نواصي المؤمنين والكافرين كلها بيد الله عز وجل وفي قبضته.
فهنا كانوا يستغيثون بالله، لأنه لا يغيث ولا يكشف الضر ولا يأتي بالخير ولا يزيل الكربة إلا الله عز وجل، {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}[الأنفال:٩]، هذه الفاء يقول علماء اللغة: إنها للترتيب السريع؛ ولذلك إذا جاء الجواب بالفاء فهو سريع، وإذا جاء بـ (ثم) فهو بعيد.
إذاً: لماذا لا يجرب الناس الآن الاستغاثة بالله عز وجل وحده! فإن كل التجارب قد جربوها إلا العودة إلى الله عز وجل عودة صحيحة.
فلماذا لا تُعمل هذه التجربة ولو مرة واحدة في حياة الناس اليوم وفي عالمهم؟