ثم يقول الله عز وجل بعد ذلك حينما يرعى الله عز وجل هذا الطفل الصغير بعنايته ليكون هو رجل المستقبل، يقول الله عز وجل:{وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}[القصص:٩]، وهذه أول رحمة تنزل على هذا الطفل الصغير؛ لأنه وصل إلى داخل بيت فرعون، أصبح الآن لا مناص له من القتل، فرعون يقتل الأبناء الذكور، وهذا ذكر، وقد تكون هناك علامات موجودة في موسى، وإرهاصات تدل على أنه هو الذي سيقضي على هذا الملك الجبار العنيد، إذاً: ما هو العلاج؟ ألقى الله تعالى من أول وهلة المحبة في قلب امرأة فرعون، فطلبت من زوجها الطاغوت أن يستبقي هذا الولد من بين كل الأطفال الذين يقتلهم في كل لحظة، ممن يولدون من بني إسرائيل في تلك الفترة إلا هذا الطفل؛ لأن الله تعالى يريد له أن يبقى، وهذه من قدرة الله عز وجل الغالبة التي يقول الله عز وجل:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:٢١]، فهذا من غلبة أمر الله عز وجل، ومن نفاذ حكمه الذي لا بد أن ينفذ في هذا الكون؛ حتى يكون ما أراده الله عز وجل.
أما أم موسى فقد أصبح قلبها فارغاً، وهذه عاطفة لا تلام عليها أم موسى؛ لأنها عاطفة الأمومة التي تشعر بها كل أم تجاه طفلها، بالرغم من أن الله عز وجل قد أمنها وأخبرها أنه سوف يرجع إليها، لكن ضعف الشخصية لدى المرأة مع شدة العاطفة التي تشعر بها المرأة أكثر من الأب أو أكثر من إنسان آخر هي التي جعلتها يفرغ قلبها؛ لأنها تريد هذا الطفل، فخافت عليه، خصوصاً أنها علمت أن النهر سوف ينتهي به إلى دار فرعون، ولولا أن الله تعالى لطف بها لأبدت الأمر، لكنها أخفته، ثم رجع إليها.