[التحذير من منع الزكاة]
معشر المسلمين! ما حلت الشيوعية في بلد من البلاد إلا بسبب فسادها الاقتصادي، حينما يكون هناك بذخ وإسراف لدى طبقة من الناس، ويعيش بجوارهم فقراء لا يجدون قوت يوم وليلة.
وما ينقم أهل هذا البلد لو بخلوا بحق الله عز وجل الذي جعله حقاً واجباً في أموالهم، ما ينقمون إلا أن كانوا فقراء، فقدر الله لنا ثروات الأرض من تحت آلاف الأمتار، ولقد كنا عالة فأغنانا الله عز وجل، وكنا أذلة فأعزنا الله بهذا الدين، وكنا خائفين فأمَّنَنا وطمأنَنَا، ويتخطف الناس من حولنا، ولو بخلنا بالزكاة فإنه يوشك أن يولي الله علينا حكاماً ظلمة، يسلبون أموالنا بدون حق، ويسوموننا سوء العذاب، وهذا الواقع المرير موجود، حيث تعيش مئات الملايين من البشر من المسلمين تحت مطارق الكافرين، مثل الحكم الشيوعي الذي كان رد فعل لما يقترفه المسلمون أولئك في يوم من الأيام من الإثم والمعصية والبخل بحق الله.
معشر المسلمين! إن أخوف ما نخافه أن يكون لدى طائفة منّا أموال ضخمة ولا يؤدون زكاتها، ويوجد في هذه الأيام من لديهم أموال كادت الأرقام أن تعجز عن إحصائها، وكادت البنوك أن تعجز عن حفظها، ثم يحسب هؤلاء زكاة أموالهم فيجدونها تبلغ عشرات الآلاف أو مئات الآلاف، ثم تزل بهم القدم فيبخلون بهذا المال حينما يستكثرونها بالزكاة.
ولقد حدثنا القرآن الكريم عن رجل كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكى بعض المفسرين أنه ثعلبة بن أبي حاطب، كان رجلاً فقيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً.
فقال له عليه الصلاة والسلام: يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره خير لك من كثير لا تطيقه.
ثم جاء مرة أخرى وقال: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً.
فقال: أما ترضى أن تكون مثل نبي الله؟! فوالذي نفسي بيده لو أردت أن تسير معي جبال الدنيا ذهباً لسارت.
ثم جاء المرة الثالثة وقال: يا رسول الله! والله لئن دعوت الله فرزقني مالاً لأوتين كل ذي حق حقه -أبرم العهد مع الله- فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم ارزق ثعلبة مالاً.
فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت بها المدينة، ثم ذهب بعيداً، وتخلف عن بعض صلوات الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم زادت، فتخلف عن الجماعة مطلقاً، ثم زادت، فذهب بعيداً عن المدينة فترك الجمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن خبر ثعلبة، حتى إذا أخبر بخبره قال: يا ويح ثعلبة! ثم أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام رجلين على الصدقة، حتى إذا عرضا كتاب رسول الله عليه، وقرأه وعرف المقدار الضخم الذي يلزمه حينما تضخم ماله، قال: والله ما هذه إلا جزية، والله ما هي إلا أخت الجزية! ثم رفض أن يدفع الزكاة، حتى أنزل الله فيه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [التوبة:٧٥ - ٧٨].
فما كاد ثعلبة يقرأ هذه الآيات حينما سمعها من الركبان حتى جاء يحثو التراب على وجهه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرض ما يريد من المال، فرفض ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأن الله سبحانه قد حكم عليه بالنفاق إلى يوم القيامة: (إلى يوم يلقونه).
وكم في كتاب الله من الدروس، وكم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المواعظ! فليحذر هؤلاء الذين منّ الله عليهم بالمال امتحاناً وفتنة واختباراً، ليحذر هؤلاء أن يبخلوا بحق الله عز وجل الذي جعله حقاً واجباً معلوماً للسائل والمحروم، حتى إذا حانت ساعة الموت قرعوا سنّ الندم، وعضوا الأصابع، ولات ساعة مندم! يقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:١٠ - ١١].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.