الْإِخْبَارَ صِدْقٌ مُطَابِقٌ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَاجِبَ التَّقْرِيرِ وَالْإِبْقَاءِ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِاسْمِ الْحَقِّ، أَمَّا بِحَسَبِ ذَاتِهِ فَلِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ الَّذِي يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ وَزَوَالُهُ. وَأَمَّا بِحَسَبِ/ الِاعْتِقَادِ فَلِأَنَّ اعْتِقَادَ وُجُودِهِ وَوُجُوبِهِ هُوَ الاعتقاد الصواب المطابق الذي لا يتغير عن هَذِهِ الصِّفَةِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ الْأَخْبَارِ وَالذِّكْرِ فَلِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ أَحَقُّ الْأَخْبَارِ بِكَوْنِهِ صِدْقًا وَاجِبَ التَّقْرِيرِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْحَقُّ بِحَسَبِ جَمِيعِ الِاعْتِبَارَاتِ وَالْمَفْهُومَاتِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ الْهَادِي.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مِنْ هَذَا الْبَابِ الْأَسْمَاءُ الدَّالَّةُ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْوُجُودِ: - اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِمُقَدِّمَاتٍ عَقْلِيَّةٍ.
كونه تعالى «أزليا» :
الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا لَا يُوجِبُ الْقَوْلَ بِوُجُودِ زَمَانٍ لَا آخِرَ لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ: كَوْنُ الشَّيْءِ دَائِمَ الْوُجُودِ فِي ذَاتِهِ إِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى حُصُولِهِ فِي زَمَانٍ أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْقَوْلِ بِوُجُودِ زَمَانٍ آخَرَ، وَأَمَّا إِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ فَنَقُولُ: ذَلِكَ الزَّمَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَزَلِيًّا أَوْ لا يكون فإن كان ذَلِكَ الزَّمَانُ أَزَلِيًّا فَالتَّقْدِيرُ هُوَ أَنَّ كَوْنَهُ أَزَلِيًّا لَا يَتَقَرَّرُ إِلَّا بِسَبَبِ زَمَانٍ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ افْتِقَارُ الزَّمَانِ إِلَى زَمَانٍ آخَرَ فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ لَيْسَ أَزَلِيًّا فَحِينَئِذٍ قَدْ كَانَ اللَّهُ أَزَلِيًّا مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى وُجُودِ زَمَانٍ آخَرَ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا لَا يُوجِبُ الِاعْتِرَافَ بِكَوْنِ الزَّمَانِ أزليا.
كونه تعالى «باقيا» :
الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَانَ أَزَلِيًّا كَانَ بَاقِيًا، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشيء باقيا كونه أزليا، ولفظ «الباقي» وورد فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [الرَّحْمَنِ: ٢٧] وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَصِ: ٨٨] وَالَّذِي لَا يَصِيرُ هَالِكًا يَكُونُ بَاقِيًا لَا مَحَالَةَ، وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ [الْحَدِيدِ: ٣] فَجَعَلَهُ أَوَّلًا لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمَا كَانَ أَوَّلًا لِكُلِّ مَا سِوَاهُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوَّلٌ، إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ أَوَّلٌ لَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا لِأَوَّلِ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ آخر لامتنع كونه آخرا لآخر نَفْسِهِ، فَلَمَّا كَانَ أَوَّلًا لِكُلِّ مَا سِوَاهُ وَكَانَ آخِرًا لِكُلِّ مَا سِوَاهُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ، فَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى أَزَلِيًّا لَا أَوَّلَ لَهُ، أبديا لا آخِرَ لَهُ.
الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ صَانِعُ الْعَالَمِ مُحْدَثًا لَافْتَقَرَ إِلَى صَانِعٍ آخَرَ، وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَهُوَ مُحَالٌ فَهُوَ قَدِيمٌ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ قَدِيمٌ وَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ زَوَالُهُ، لِأَنَّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ.
إِذَا ثَبَتَتْ هذه المقدمات فلنشرع في تفسير الأسماء: - اسمه تعالى «القديم» :
الِاسْمُ الْأَوَّلُ: الْقَدِيمُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُفِيدُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ طُولَ الْمُدَّةِ، وَلَا يُفِيدُ نَفْيَ الْأَوَّلِيَّةِ يُقَالُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute