للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ التَّاسِعِ: أَنَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيُحْكِمُ مَا يُرِيدُ، فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ وَاللَّهُ أعلم.

واعلم أنه تعالى ما ذَكَرَ مَنَافِعَ الْكَوَاكِبِ وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنَافِعِ أَنَّهَا رُجُومٌ لِلشَّيَاطِينِ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:

وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ أَيْ أَعْتَدْنَا لِلشَّيَاطِينِ بَعْدَ الْإِحْرَاقِ بِالشُّهُبِ فِي الدُّنْيَا عَذَابَ السَّعِيرِ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: سُعِرَتِ النَّارُ فَهِيَ مَسْعُورَةٌ وَسَعِيرٌ كَقَوْلِكَ: مَقْبُولَةٌ وَقَبِيلٌ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ النَّارَ مَخْلُوقَةٌ الْآنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لأن قوله: وَأَعْتَدْنا إخبار عن الماضي.

[[سورة الملك (٦٧) : آية ٦]]

وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُمْكَنَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكُلِّ إِلَّا أَنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَ مَا خَلَقَ لَا لِلْعَبَثِ وَالْبَاطِلِ بَلْ لِأَجْلِ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ، وَبَيَّنَ/ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ الِابْتِلَاءِ أَنْ يَكُونَ عَزِيزًا فِي حَقِّ الْمُصِرِّينَ عَلَى الْإِسَاءَةِ غَفُورًا فِي حَقِّ التَّائِبِينَ وَمِنْ ذَلِكَ كَانَ كَوْنُهُ عَزِيزًا وَغَفُورًا لَا يَثْبُتَانِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ تَعَالَى كَامِلًا فِي الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ بَيَّنَ ذَلِكَ بِالدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَحِينَئِذٍ ثَبَتَ كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى تَعْذِيبِ الْعُصَاةِ فَقَالَ: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ أَيْ وَلِكُلِّ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ، لَيْسَ الشَّيَاطِينُ الْمَرْجُومُونَ مَخْصُوصِينَ بِذَلِكَ، وَقُرِئَ: عَذَابَ جَهَنَّمَ بِالنَّصْبِ عَطْفَ بَيَانٍ عَلَى قَوْلِهِ: عَذابَ السَّعِيرِ [الْحَجِّ: ٤] ثم إنه تعالى وصف ذلك العذاب بصفاته كثيرة. قوله تعالى:

[[سورة الملك (٦٧) : آية ٧]]

إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧)

الصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً أُلْقُوا طُرِحُوا كَمَا يُطْرَحُ الْحَطَبُ فِي النَّارِ الْعَظِيمَةِ وَيُرْمَى بِهِ فِيهَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٨] وَفِي قَوْلِهِ: سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وُجُوهٌ أَحَدُهَا: قَالَ مُقَاتِلٌ: سمعوا لجنهم شَهِيقًا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ صَوْتِ لَهَبِ النَّارِ بِالشَّهِيقِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: سَمِعَ الْكُفَّارُ لِلنَّارِ شَهِيقًا، وَهُوَ أَقْبَحُ الْأَصْوَاتِ، وَهُوَ كَصَوْتِ الْحِمَارِ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنَفُّسٌ كَتَنَفُّسِ الْمُتَغَيِّظِ وَثَانِيهَا: قَالَ عَطَاءٌ: سَمِعُوا لِأَهْلِهَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ طَرْحُهُمْ فِيهَا شَهِيقًا وَثَالِثُهَا: سَمِعُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ شَهِيقًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هُودٍ: ١٠٦] وَالْقَوْلُ هُوَ الْأَوَّلُ.

الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَهِيَ تَفُورُ قَالَ اللَّيْثُ: كُلُّ شَيْءٍ جَاشَ فَقَدْ فَارَ، وَهُوَ فَوْرُ الْقِدْرِ وَالدُّخَانِ وَالْغَضَبِ وَالْمَاءِ مِنَ الْعَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَغْلِي بِهِمْ كَغَلْيِ الْمِرْجَلِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَفُورُ بِهِمْ كَمَا يَفُورُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ بِالْحَبِّ الْقَلِيلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ فَوْرِ الْغَضَبِ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ تَرَكْتُ فَلَانًا يَفُورُ غَضَبًا، وَيَتَأَكَّدُ هذا القول بالآية الآتية.

[[سورة الملك (٦٧) : آية ٨]]

تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨)

الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ يُقَالُ: فُلَانٌ يَتَمَيَّزُ غَيْظًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>