للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها

[الْأَنْعَامِ: ١٠٤] قَالَ زُهَيْرٌ:

وَأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ ... وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِي

قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ عامَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمِي وَالْعَامِي أَنَّ الْعَمِيَ يَدُلُّ عَلَى عَمًى ثَابِتٍ.

وَالْعَامِيَ عَلَى عَمًى حَادِثٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَمَاهُمْ كَانَ ثَابِتًا رَاسِخًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى:

وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود: ٣٦] .

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٥ الى ٦٩]

وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩)

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قِصَّةُ هُودٍ مَعَ قَوْمِهِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً فَفِيهِ أَبْحَاثٌ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: انْتَصَبَ قَوْلُهُ: أَخاهُمْ بقوله: أَرْسَلْنا [الأعراف: ٥٩] فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَالتَّقْدِيرُ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا.

الْبَحْثُ الثَّانِي: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هُودًا مَا كَانَ أَخًا لَهُمْ فِي الدِّينِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ أَخَا قَرَابَةٍ قَرِيبَةٍ أَمْ لَا؟ قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّهُ كَانَ وَاحِدًا مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ جِنْسِهِمْ لَا مِنْ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ فَكَفَى هَذَا الْقَدَرُ فِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْأُخُوَّةِ وَالْمَعْنَى أَنَّا بَعَثْنَا إِلَى عَادٍ وَاحِدًا مِنْ جِنْسِهِمْ وَهُوَ الْبَشَرُ لِيَكُونَ أَلْفُهُمْ وَالْأُنْسُ بِكَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ أَكْمَلَ وَمَا بَعَثْنَا إِلَيْهِمْ شَخْصًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمْ مِثْلَ مَلِكٍ أَوْ جِنِّيٍّ.

الْبَحْثُ الثَّالِثُ: أَخَاهُمْ: أَيْ صَاحِبَهُمْ وَرَسُولَهُمْ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي صَاحِبَ الْقَوْمِ أَخَ الْقَوْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الْأَعْرَافِ: ٣٨] أَيْ صَاحِبَتَهَا وَشَبِيهَتَهَا. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ قَدْ أَذَّنَ وَإِنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ» يُرِيدُ صَاحِبَهُمْ.

الْبَحْثُ الرَّابِعُ: قَالُوا نَسَبُ هود هذا: هود بن شالخ بن ارفخشد بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَأَمَّا عَادٌ فَهُمْ قوم كانوا باليمن بالأحقاف قال ابن اسحق: والأحقاف الرمل الذي بين عمان الى حضر موت.

الْبَحْثُ الْخَامِسُ: اعْلَمْ أَنَّ أَلْفَاظَ هَذِهِ الْقِصَّةِ مُوَافِقَةٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا فِي أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ: فِي قِصَّةِ نوح عليه السلام: فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ [الأعراف: ٥٩] وفي قصة هود: قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَالْفَرْقُ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُوَاظِبًا عَلَى دَعْوَاهُمْ وَمَا كَانَ يُؤَخِّرُ الْجَوَابَ عَنْ شُبُهَاتِهِمْ لَحْظَةً وَاحِدَةً. وَأَمَّا هُودٌ فَمَا كَانَتْ مُبَالَغَتُهُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَلَا جَرَمَ جَاءَ «فَاءُ التَّعْقِيبِ» فِي كَلَامِ نُوحٍ دون كلام هود. والثاني: ان فِي قِصَّةِ نُوحٍ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>