للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٣١ الى ٣٣]

فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣)

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى شَرَحَ كَيْفِيَّةَ عَمَلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِ الدِّينِ وَبِفُرُوعِهِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِدُنْيَاهُ. أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِ الدِّينِ فَهُوَ أَنَّهُ مَا صَدَّقَ بِالدِّينِ، وَلَكِنَّهُ كَذَّبَ بِهِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِفُرُوعِ الدِّينِ، فَهُوَ أَنَّهُ مَا صَلَّى وَلَكِنَّهُ تَوَلَّى وَأَعْرَضَ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِدُنْيَاهُ، فَهُوَ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى، وَيَتَبَخْتَرُ، وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ كَمَا يَسْتَحِقُّهُمَا بِتَرْكِ الْإِيمَانِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: فَلا صَدَّقَ حِكَايَةٌ عَمَّنْ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِ:

أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ [الْقِيَامَةِ: ٣] أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً [الْقِيَامَةِ: ٣٦] وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قوله: يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ [الْقِيَامَةِ: ٦] وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي يَتَمَطَّى قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَصْلَهُ يَتَمَطَّطُ أَيْ يَتَمَدَّدُ، لِأَنَّ الْمُتَبَخْتِرَ يَمُدُّ خُطَاهُ، فَقُلِبَتِ الطَّاءُ فِيهِ يَاءً، كَمَا قِيلَ: فِي تَقَصَّى أَصْلُهُ تَقَصَّصَ وَالثَّانِي: من المطا وَهُوَ الظَّهْرُ لِأَنَّهُ يَلْوِيهِ،

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَى»

أَيْ مِشْيَةَ الْمُتَبَخْتِرِ.

الْمَسْأَلَةُ الرابعة: قال أهل العربية: لا هاهنا فِي مَوْضِعِ لَمْ فَقَوْلُهُ: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى أَيْ لَمْ يُصَدِّقْ وَلَمْ يُصَلِّ، وَهُوَ كقوله: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [البلد: ١١] أَيْ لَمْ يَقْتَحِمْ، وَكَذَلِكَ مَا

رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «أَرَأَيْتَ مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا شَرَبَ، وَلَا اسْتَهَلَّ»

قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَمْ أَرَ الْعَرَبَ قَالَتْ فِي مِثْلِ هَذَا كَلِمَةً وَحْدَهَا حَتَّى تُتْبِعَهَا بِأُخْرَى، إِمَّا مُصَرَّحًا أَوْ مُقَدَّرًا، أَمَّا الْمُصَرَّحُ فَلَا يَقُولُونَ: لَا عَبْدُ اللَّهِ خَارِجٌ حتى يقولون، وَلَا فُلَانٌ، وَلَا يَقُولُونَ:

مَرَرْتُ بِرَجُلٍ لَا يُحْسِنُ حَتَّى يَقُولُوا، وَلَا يُجْمِلُ، وَأَمَّا الْمُقَدَّرُ فهو كقوله: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ثُمَّ اعْتُرِضَ الْكَلَامُ، فَقَالَ: وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ [الْبَلَدِ: ١٢، ١٤] وَكَانَ التَّقْدِيرُ لَا فَكَّ رَقَبَةً، وَلَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا، فَاكْتَفَى بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ التَّقْدِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَلَا اقْتَحَمَ أَيْ أَفَلَا اقتحم، وهلا اقتحم.

[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]

أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥)

قَالَ قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ أَبِي جَهْلٍ. ثُمَّ قَالَ: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى تَوَعَّدَهُ، فَقَالَ أبو جهل: بأي شيء تهددني؟ لا تستطع أَنْتَ وَلَا رَبُّكَ أَنْ تَفْعَلَا بِي شَيْئًا، وَإِنِّي لَأَعَزُّ أَهْلِ هَذَا الْوَادِي، ثُمَّ انْسَلَّ ذَاهِبًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ لَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْلى لَكَ بِمَعْنَى وَيْلٌ لَكَ، وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَلِيَهُ مَا يَكْرَهُهُ، قَالَ الْقَاضِي: الْمَعْنَى بَعْدَ ذَلِكَ، فَبُعْدًا [لَكَ] فِي أَمْرِ دُنْيَاكَ، وَبُعْدًا لَكَ، فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>