للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ، إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولٍ التَّقْدِيرُ قَضَيْنَا أَنَّهَا تَتَخَلَّفُ وَتَبْقَى مَعَ مَنْ يَبْقَى حَتَّى تَهْلِكَ كَمَا يَهْلِكُونَ. وَلَا تَكُونُ مِمَّنْ يَبْقَى مَعَ لُوطٍ فَتَصِلُ إلى النجاة والله أعلم.

[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٦١ الى ٦٤]

فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤)

اعْلَمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا بَشَّرُوا إِبْرَاهِيمَ بِالْوَلَدِ وَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُمْ مُرْسَلُونَ لِعَذَابِ قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ذَهَبُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى لُوطٍ وَإِلَى آلِهِ، وَأَنَّ لُوطًا وَقَوْمَهُ مَا عَرَفُوا أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، فَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ وَفِي تَأْوِيلِهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ مُنْكَرُونَ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا عَرَفَهُمْ، فَلَمَّا هَجَمُوا عَلَيْهِ اسْتَنْكَرَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَخَافَ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ لِأَجْلِ شَرٍّ يُوَصِّلُونَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا شَبَابًا مُرْدًا حِسَانَ الْوُجُوهِ، فَخَافَ أَنْ يَهْجُمَ قَوْمُهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ طَلَبِهِمْ فَقَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ النَّكِرَةَ ضِدُّ الْمَعْرِفَةِ فَقَوْلُهُ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أَيْ لَا أَعْرِفُكُمْ، وَلَا أَعْرِفُ أَنَّكُمْ مِنْ أَيِّ الْأَقْوَامِ، وَلِأَيِّ غَرَضٍ دَخَلْتُمْ عَلَيَّ، فَعِنْدَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ، بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ، أَيْ بِالْعَذَابِ الَّذِي كَانُوا يَشُكُّونَ فِي نُزُولِهِ، ثُمَّ أَكَّدُوا/ مَا ذَكَرُوهُ بِقَوْلِهِمْ: وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ قَالَ الْكَلْبِيُّ: بِالْعَذَابِ، وَقِيلَ بِالْيَقِينِ وَالْأَمْرِ الثَّابِتِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ عَذَابُ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ ثُمَّ أَكَّدُوا هَذَا التأكيد بقولهم، وَإِنَّا لَصادِقُونَ.

[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]

فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦)

قُرِئَ فَأَسْرِ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَوَصْلِهَا مِنْ أَسْرَى وَسَرَى. وَرَوَى صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَنْ صَاحِبِ الْإِقْلِيدِ فَسِرْ مِنَ السَّيْرِ وَالْقِطْعُ آخِرُ اللَّيْلِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

افْتَحِي الْبَابَ وَانْظُرِي فِي النُّجُومِ ... كَمْ عَلَيْنَا مِنْ قِطْعِ لَيْلٍ بَهِيمِ

وَقَوْلُهُ: وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ مَعْنَاهُ: اتَّبِعْ آثَارَ بَنَاتِكَ وَأَهْلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ الْفَائِدَةُ فِيهِ أَشْيَاءُ: أَحَدُهَا: لِئَلَّا يَتَخَلَّفَ مِنْكُمْ أَحَدٌ فينا له الْعَذَابُ. وَثَانِيهَا: لِئَلَّا يَرَى عَظِيمَ مَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ. وَثَالِثُهَا:

مَعْنَاهُ الْإِسْرَاعُ وَتَرْكُ الِاهْتِمَامِ لِمَا خَلَّفَ وَرَاءَهُ كَمَا تَقُولُ: امْضِ لِشَأْنِكَ وَلَا تُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ. وَرَابِعُهَا: لَوْ بَقِيَ مِنْهُ مَتَاعٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَلَا يَرْجِعَنَّ بِسَبَبِهِ أَلْبَتَّةَ. وَقَوْلُهُ: وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الشَّامَ. قَالَ الْمُفَضَّلُ: حَيْثُ يَقُولُ لَكُمْ جِبْرِيلُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْضُوا إِلَى قَرْيَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَهْلُهَا مَا عَمِلُوا مِثْلَ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ. وَقَوْلُهُ: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ عَدَّى قَضَيْنَا بِإِلَى، لِأَنَّهُ ضِمْنَ مَعْنَى أَوْحَيْنَا، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَأَوْحَيْنَاهُ إِلَيْهِ مَقْضِيًّا مَبْتُوتًا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ [الْإِسْرَاءِ: ٤] وَقَوْلُهُ، ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ [يُونُسَ: ٧١] ثُمَّ إِنَّهُ فَسَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَضَاءَ الْمَبْتُوتَ بِقَوْلِهِ: أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ وَفِي إِبْهَامِهِ أَوَّلًا، وَتَفْسِيرِهِ ثَانِيًا تَفْخِيمٌ لِلْأَمْرِ وَتَعْظِيمٌ لَهُ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ إِنَّ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ أَخْبِرْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>