للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِوَلَدِ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَةِ أَبِيهِ: مَقْتِيٌّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ تُشْبِهُ الْأُمَّ، وَكَانَ نِكَاحُ الْأُمَّهَاتِ مِنْ أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا النِّكَاحُ يُشْبِهُ ذَلِكَ، لَا جَرَمَ كَانَ مُسْتَقْبَحًا عِنْدَهُمْ، فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ أَبَدًا كَانَ مَمْقُوتًا وَقَبِيحًا، الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا النِّكَاحِ بَعْدَ النَّهْيِ، فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً فِي الْإِسْلَامِ وَمَقْتًا عِنْدَ اللَّه، وَإِنَّمَا قَالَ: كانَ لِبَيَانِ أَنَّهُ كَانَ فِي حُكْمِ اللَّه وَفِي عِلْمِهِ مَوْصُوفًا بِهَذَا الْوَصْفِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ فَاحِشَةٌ، وَإِنَّمَا وَصَفَ هَذَا النِّكَاحَ بِأَنَّهُ فَاحِشَةٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ تُشْبِهُ الْأُمَّ فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهَا مِنْ أَفْحَشِ الْفَوَاحِشِ، وَثَانِيهَا: الْمَقْتُ: وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ بُغْضٍ مَقْرُونٍ بِاسْتِحْقَارٍ، حَصَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَمْرٍ قَبِيحٍ ارْتَكَبَهُ صَاحِبُهُ، وَهُوَ مِنَ اللَّه فِي حَقِّ الْعَبْدِ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْخِزْيِ وَالْخَسَارِ. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَساءَ سَبِيلًا قَالَ اللَّيْثُ: «سَاءَ» فعل لا زم وَفَاعِلُهُ مُضْمَرٌ وَ «سَبِيلًا» مَنْصُوبٌ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ الْفَاعِلِ، كَمَا قَالَ: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النِّسَاءِ: ٦٩] وَاعْلَمْ أَنَّ مَرَاتِبَ الْقُبْحِ ثَلَاثَةٌ: الْقُبْحُ فِي الْعُقُولِ، وَفِي الشَّرَائِعِ وَفِي الْعَادَاتِ، فَقَوْلُهُ: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً إِشَارَةٌ إِلَى الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ، وَقَوْلُهُ: وَمَقْتاً إِشَارَةٌ إِلَى الْقُبْحِ الشَّرْعِيِّ، وَقَوْلُهُ: وَساءَ سَبِيلًا إِشَارَةٌ إِلَى الْقُبْحِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَمَتَى اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْوُجُوهُ فَقَدْ بَلَغَ الغاية في القبح واللَّه أعلم.

[[سورة النساء (٤) : آية ٢٣]]

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣)

النَّوْعُ السَّادِسُ: مِنَ التَّكَالِيفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّسَاءِ الْمَذْكُورَةِ في هذه الآيات.

قَوْلُهُ تَعَالَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ.

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صِنْفًا مِنَ النِّسْوَانِ: سَبْعَةٌ مِنْهُنَّ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، وَهُنَّ الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ. وَسَبْعَةٌ/ أُخْرَى لَا من جهة النسب:

الْأُمَّهَاتُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَبَنَاتُ النِّسَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِالنِّسَاءِ، وَأَزْوَاجُ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ، إِلَّا أَنَّ أزواج الأبناء مذكورة هاهنا، وَأَزْوَاجُ الْآبَاءِ مَذْكُورَةٌ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ قَالَ: لِأَنَّهُ أُضِيفَ التَّحْرِيمُ فِيهَا إِلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ، وَالتَّحْرِيمُ لَا يُمْكِنُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ الْفِعْلُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْآيَةِ، فَلَيْسَتْ إِضَافَةُ هَذَا التَّحْرِيمِ إِلَى بَعْضِ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ إِيقَاعُهَا فِي ذَوَاتِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ، أَوْلَى مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>