للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَعَلْتُ هَذَا الْفِعْلَ لِوَجْهِهِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ فَعَلْتَ الْفِعْلَ لَهُ فَقَطْ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ فِيهِ شَرِكَةٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إِلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُخْتَصَّةً بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَرْفَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَبَاهُ غَيْرُهُ، وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: لَوْ كَانَ شَرَّ خَلْقِ اللَّهِ لَكَانَ لَكَ ثَوَابُ نَفَقَتِكَ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أَيْ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ جَزَاؤُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ قَوْلُهُ إِلَيْكُمْ مَعَ التَّوْفِيَةِ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ مَعْنَى التَّأْدِيَةِ.

ثُمَّ قَالَ: وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ أَيْ لَا تُنْقَصُونَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً [الكهف: ٣٣] يريد لم تنقص.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٣]]

لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَةِ إِلَى أَيِّ فَقِيرٍ كَانَ، بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ أَشَدَّ النَّاسِ اسْتِحْقَاقًا بِصَرْفِ الصَّدَقَةِ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِلْفُقَراءِ مُتَعَلِّقٌ بِمَاذَا فِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: لَمَّا تَقَدَّمَتِ الْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ فِي الْحَثِّ عَلَى الْإِنْفَاقِ، قَالَ بَعْدَهَا لِلْفُقَراءِ أَيْ ذَلِكَ الْإِنْفَاقُ الْمَحْثُوثُ عَلَيْهِ لِلْفُقَرَاءِ، وَهَذَا كَمَا إِذَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ رَجُلٍ فَتَقُولُ: عَاقِلٌ لَبِيبٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي مَرَّ وَصْفُهُ عَاقِلٌ لَبِيبٌ، وَكَذَلِكَ النَّاسُ يَكْتُبُونَ عَلَى الْكِيسِ الَّذِي يَجْعَلُونَ فِيهِ الذَّهَبَ وَالدَّرَاهِمَ: أَلْفَانِ وَمِائَتَانِ أَيْ ذَلِكَ الَّذِي فِي الْكِيسِ أَلْفَانِ وَمِائَتَانِ هَذَا أَحْسَنُ الْوُجُوهِ الثَّانِي: أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ اعْمَدُوا لِلْفُقَرَاءِ وَاجْعَلُوا مَا تنفقون للقراء الثالث: يجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوف وَالتَّقْدِيرُ وَصَدَقَاتُكُمْ لِلْفُقَرَاءِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: نَزَلَتْ فِي فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانُوا نَحْوَ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسْكَنٌ وَلَا عَشَائِرُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا مُلَازِمِينَ الْمَسْجِدَ، وَيَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ، وَيَصُومُونَ وَيَخْرُجُونَ فِي كُلِّ غَزْوَةٍ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَرَأَى فَقْرَهُمْ وَجَدَّهُمْ فَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ، فَقَالَ:

(أَبْشِرُوا يَا أَصْحَابَ الصُّفَّةِ فَمَنْ لَقِيَنِي مِنْ أُمَّتِي عَلَى النَّعْتِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ رَاضِيًا بِمَا فِيهِ فَإِنَّهُ مِنْ رِفَاقِي) .

وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءَ بِصِفَاتٍ خَمْسٍ:

الصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٧٣] فَنَقُولُ: الْإِحْصَارُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَعْرِضَ لِلرَّجُلِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَفَرِهِ، مِنْ مَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، يُقَالُ: أُحْصِرَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُحْصَرٌ، وَمَضَى الْكَلَامُ فِي مَعْنَى الْإِحْصَارِ عند قوله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ بما يعني عَنِ الْإِعَادَةِ، أَمَّا التَّفْسِيرُ فَقَدْ فُسِّرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِجَمِيعِ الْأَعْدَادِ الْمُمْكِنَةِ فِي مَعْنَى الْإِحْصَارِ فَالْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ