للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْرُجُ عَنْ إِفَادَةِ التَّوْحِيدِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ يُفِيدُ فِي الْكَلَامِ مُبَالِغَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَأَمْثالِ وَأَمَّا عَدَمُ الْحَمْلِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَهُوَ أَوْجَزُ فَتُجْعَلُ الْكَافُ زَائِدَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّعْطِيلُ، وَهُوَ نَفْيُ الْإِلَهِ، نَقُولُ: فِيهِ فَائِدَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَفْيًا مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى وَجْهِ الدَّلِيلِ عَلَى النَّفْيِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَاجِبُ الْوُجُودِ، وَقَدْ وَافَقَنَا مَنْ قَالَ بِالشَّرِيكِ، وَلَا يخالفنا إلا المعطل، وذلك إثباته ظاهرا، وَإِذَا كَانَ هُوَ وَاجِبَ الْوُجُودِ فَلَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ، لِأَنَّهُ مَعَ مِثْلِهِ تَعَادَلَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ ذَلِكَ مِثْلَهُ وَقَدْ تَعَدَّدَ فَلَا بُدَّ مِنَ انْضِمَامِ مُمَيِّزٍ إِلَيْهِ بِهِ يَتَمَيَّزُ عَنْ مِثْلِهِ، فَلَوْ كَانَ مُرَكَّبًا فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا لِأَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ مُمْكِنٌ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَمَا كَانَ هُوَ هُوَ فَيَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الْمِثْلِ لَهُ نَفْيُهُ، فَقَوْلُهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ إِذَا حَمَلْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ، وَيَكُونُ فِي مُقَابَلَتِهِ قَوْلُ الْكَافِرِ: مِثْلُ مِثْلِهِ شَيْءٌ فَيَكُونُ مُثْبِتًا لِكَوْنِهِ مِثْلَ مِثْلِهِ وَيَكُونُ مِثْلُهُ يَخْرُجُ عَنْ حَقِيقَةِ نَفْسِهِ وَمِنْهُ لَا يَبْقَى وَاجِبَ الْوُجُودِ فَذِكْرُ الْمِثْلَيْنِ لَفْظًا يُفِيدُ التَّوْحِيدَ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى وَجْهِ الدَّلِيلِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْمُشْرِكِ وَلَوْ قُلْنَا: لَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ يَكُونُ نَفْيًا مِنْ غَيْرِ إِشَارَةٍ إِلَى دَلِيلٍ، وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّا نَقُولُ: فِي نَفْيِ الْمِثْلِ رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِ لَا مِثْلَ لِلَّهِ، ثُمَّ نَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ وَنَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ هُوَ مِثْلًا لِذَلِكَ الْمِثْلِ فَيَكُونُ مُمْكِنًا مُحْتَاجًا فَلَا يَكُونُ إِلَهًا وَلَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَمَا كَانَ اللَّهُ إِلَهًا وَاجِبَ الْوُجُودِ، لِأَنَّ عِنْدَ فَرْضِ مِثْلٍ لَهُ يُشَارِكُهُ بِشَيْءٍ وَيُنَافِيهِ بِشَيْءٍ، فَيَلْزَمُ تَرْكُهُ فَلَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَخَرَجَ عَنْ حَقِيقَةِ كَوْنِهِ إِلَهًا فَإِثْبَاتُ الشَّرِيكِ يُفْضِي إِلَى نَفْيِ الْإِلَهِ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ تَوْحِيدٌ بِالدَّلِيلِ وَلَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ تَوْحِيدٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَشَيْءٌ مِنْ هَذَا رَأَيْتُهُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ فخر الدين الرازي رحمه الله «١» بعد ما فَرَغْتُ مِنْ كِتَابَةِ هَذَا مِمَّا وَافَقَ خَاطِرِي خَاطِرَهُ عَلَى أَنِّي مُعْتَرِفٌ بِأَنِّي أَصَبْتُ مِنْهُ فوائد لا لَا أُحْصِيهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ إِشَارَةٌ إِلَى غَايَةِ صَفَائِهِنَّ أَيِ اللُّؤْلُؤِ الَّذِي لم يغير لونه الشمس والهواء. ثم قال تعالى:

[[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٢٤]]

جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)

وَفِي نَصْبِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ تَقْدِيرُهُ فَعَلَ بِهِمْ هَذَا لِيَقَعَ جَزَاءً وَلِيُجْزَوْنَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فِيهِ لَطِيفَةٌ: وَهِيَ أَنْ نَقُولَ: الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ جَزَاءُ عَمَلِكُمْ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ/ فَلَا يُدْرِكُهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ مَصْدَرٌ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ فَهُوَ جَزَاءٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: تُجْزَوْنَ جَزَاءً، وَقَوْلُهُ: بِما كانُوا قَدْ ذَكَرْنَا فَائِدَتَهُ فِي سُورَةِ الطُّورِ وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ في حق المؤمنين: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة: ٢٤] وَفِي حَقِّ الْكَافِرِينَ: إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التَّحْرِيمِ: ٧] إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْعَذَابَ عَيْنُ جَزَاءِ مَا فَعَلُوا فَلَا زِيَادَةَ عَلَيْهِمْ، وَالثَّوَابَ: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: ١٧] فَلَا يُعْطِيهِمُ اللَّهُ عَيْنَ عَمَلِهِمْ، بَلْ يُعْطِيهِمْ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ مَا يُعْطِيهِمْ، وَالْكَافِرُ يُعْطِيهِ عَيْنَ مَا فَعَلَ، فَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها [الْأَنْعَامِ: ١٦٠] وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أُصُولِيَّةٌ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَهَا فَالْأُولَى: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُقَالَ: الثَّوَابُ عَلَى اللَّهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَجْوِبَةٍ كَثِيرَةٍ، وَأَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا أَقُولُهُ فِيهِ وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ. ولو صح


(١) هذه العبارة تشعر وتؤكد أن الكتاب أو هذه السورة لمؤلف آخر غير فخر الدين الرازي وإنما هذا لأحد تلاميذه أكملها بعد وفاته أو نقص بالأصل وكمله أحد العلماء المتأخرين والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>